باب (كان) وأخواتها
  والثاني: ليدلوا بدخول اللام عليها أنَّها المُشَدَّدَةُ.
  فأما (أنَّ) المفتوحة الهمزة المُشَدَّدَةُ، فهي للتحقيق، وتقع في موقع المرفوع والمنصوب والمجرور؛ لأنها تكون بتأويل المصدر، ولا يُبتدأ بها، وإِنَّما يكون الابتداء بالمكسورة، فإذا قلت: بلغني أَنَّكَ مُنْطَلِق، فالتقدير: بلغني انطلاقك. وعلمتُ أَنَّكَ مُنْطَلق، فالتقدير: علمتُ انطلاقكَ وأُخبرتُ بأَنَّكَ مُنْطَلق، والتقدير: أُخْبِرْتُ بانطلاقك.
  وأما (لكن) فتكون مُشَدَّدَةً وَمُخَفَّفَةً، وهي توجب بعد نفي، / ويُسْتَدْرَك بها فتكون تحقيقا(١)، وعطف حال على حال تُخالِفُها.
  و (ليت) للتمني، و (لَعَلَّ) فيها توقع ورجاء. قال (سيبَوَيْهِ)(٢): لَعَلَّ وعَسَى طَمَعٌ وإِشفاق.
  وأما (كَأَنَّ) فالأصل هي الكاف للتَّشبيه، دَخَلَتْ على (أَنَّ) فصارتا حرفًا واحداً للتشبيه. وأخبارُ هذه الحروف كأخبار المبتدأ؛ لأنَّ هذه الحروف دخلت على المبتدأ والخبر، على ما مضى ذكره. فكل ما جاز أن يكون خبر المبتدأ جاز أن يكون خبراً لها. ولا يجوز تقديم أخبارها على أسمائها؛ لأنَّهَا لَمَّا لَمْ تَتَصرُّف لكونها حروفا لم يتصرفوا في معمولها (فَالْزموها طريقة واحدة)؛ ليدلوا بذلك على نقصانها. فإن كان الخبر ظَرْفًا أو حرف (جَرِّ جاز أن يتقدم) على الاسم لتوسعهمْ فيه. وذلك أن تقديمه وتأخيره سواء؛ لأنَّهم فصلوا به بين المضاف والمضاف إليه(٣)، ولم يعتدوا به فاصلاً، وذلك نحو قول الشاعر(٤):
(١) في الأصل و (ع) (فيكون تخفيفًا)، وهو تصحيف، انظر الصحاح (لكن).
(٢) الكتاب: ٢/ ٣١١.
(٣) هذه إحدى المسائل الخلافية بين أئمة المصرين. انظر الإنصاف المسألة رقم: (٦٠): ٢/ ٤٢٧، ولمتأخري النحاة رأي في هذه المسألة انظر الأشموني: ٢/ ٢٧٥ وما بعدها.
(٤) هو أبو حية النميري.