البيان في شرح اللمع لابن جني،

عمر الكوفي أبو البركات (المتوفى: 539 هـ)

باب التمييز

صفحة 227 - الجزء 1

  الفعل قولُهُمْ: تَصَبَّبْتُ عَرَقاً، وامتلاً الإناء ماءً، وطبتُ بذلك نَفْسًا، وقررت⁣(⁣١) به عينا، ألا ترى أنَّ المتصبب هو العَرَق، والذي ملأ الإناء هو الماء، والذي طابَ هو النَّفْسُ، والذي قرَّ هو العَيْنُ، والأصل فيه: ضاقَ ذَرْعُ زيد، وطابت نفس عمرو، فحذف المضاف توسعاً، وأقيم المضاف إليه مقامه فارتفع، ثُمَّ أرادوا أنْ يَدلُوا على المحذوف فأعادوه [فَلَمّا أعادوه]⁣(⁣٢) والأوَّلُ مرفوع نَصَبوه لوقوعه بعد فعل وفاعل، فصار مشبها بالمفعول.

  وأما من لم يُجز تقديم المنصوب فاحتج بأنَّ هذا المنصوب هو فاعل في الحقيقة، فإِذا مُنِعَ الرَّفْعَ لَمْ يُمْنَعِ الرُّتْبَةَ؛ لأنَّ رُتْبَةَ الفَاعِلِ أَنْ يكونَ بَعْدَ فِعْلِهِ.

  وإذا كان العامل في التمييز الفعل فإن شئتَ وحدتَهُ، وإِن شئت جمعته تقولُ: طبْتُم بذلك نَفْسًا، وإن شئتَ: أَنْفُسا، قال الله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا}⁣(⁣٣) ولو كان (أَنْفُسا) لجاز والله أعلم. يدلُّ عليه قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ١٠٣}⁣(⁣٤). وتقول: هو أَجودُ النَّاسِ عبيداً ودوراً، وأشباه ذلك. وإنَّما وُحدَ المُمَيَّزُ في أكثر الأحوال؛ لأنهم طلبوا التخفيف، فجاؤوا بمفرد نكرة يدل على الجنس فوضعوه موضعَ الجَمْعِ فَأَغْنى عنه.

  فإن قيل: فَهَلْ يجوز أن تقول: عندي عشرون دراهم، أو عشرون عبيدا؟

  قيل⁣(⁣٥): لا يجوز ذلك من حيث إِنَّكَ إِذا قُلْتَ: عشرونَ، فَقَدْ أَتَبت⁣(⁣٦) على


(١) يصح في (قررت) فتح الراء وكسرها. (اللسان / قرر).

(٢) تكملة من (ع).

(٣) النساء: (٤٠).

(٤) الكهف: (١٠٣).

(٥) في (ع): (قيل له).

(٦) في الأصل: (أثبت) بالثاء وهو تصحيف والتصويب من (ع).