البيان في شرح اللمع لابن جني،

عمر الكوفي أبو البركات (المتوفى: 539 هـ)

باب التمييز

صفحة 228 - الجزء 1

  العدد، فلم تَحْتَج إلا إلى ذكر ما يدلُّ على الجنس. وإِذا قُلْتَ: هوَ أَفْرَهُ النَّاسِ عبداً، جاز أنْ تَعْني عبداً واحداً، فَمِنْ ثَمَّ جاز ذكر الجماعة.

  فأما ما يَنْتَصِب⁣(⁣١) بمعنى الفعل فهوَ ينْتَصِب بعد الأعداد، وذلك أنَّ العدد يُذكر بعده المعدود من الأجناس للتمييز؛ إذ كان العدد يقع على جميع المعدودات فاحتاج إلى ما يُفَسِّرُهُ. والعدد / على ضربين: أحدهما: تلْحَقُه نون، نحو: عشرون وثلاثون إلى تسعين. والآخر يلْحَقُهُ تَنْوين، نحو: ثلاثة وأربعة إلى تسعة. وحُكم هذا أن يُضاف إلى الجموع. فالذي فيه نونٌ فَإِنَّكَ تَنْصِبُ ما بعده على التمييز. فإنْ قالَ قائِلٌ: ولِمَ صارَ هذا العددُ يَنْصِبُ ما يقعُ بَعْدَهُ؟

  قيل له: لأنَّ هذه النّونَ أَشْبَهَتْ نونَ (ضاربينَ)، فكما تقولُ: هؤلاء ضاربون زَيْداً، فتَنْصِبُ (زيداً) بـ (ضاربينَ) تقولُ: هؤلاء عشرونَ رَجُلاً فَتَنْصِبُ (رَجُلاً) بعشرين. فإن قال: ومن أين وقعت المشابهة بين عشرين وضاربين؟

  قيل له: لما كانت (العشرونَ) تقتضي نَوْعاً يُقَدِّرُ بها، و (ضاربونَ) تَقْتَضي مفعولاً بعدها اشتبها⁣(⁣٢)، ولأنَّكَ قد تحذفُ النّونَ من كل واحد منهما فتجر ما بعده بالإضافة، وأيضًا فإِنَّكَ إذا قلت: عشرونَ دِرْهَمَا، فَلَيْسَ الدَّرْهَمُ بِنَعْتِ للعشرين فيتبعها في إعرابها، ولا العشرون مضافةً إليه فينجر بالإضافة⁣(⁣٣) ولا الدرهم معطوفا على [العشرينَ] فيعمل فيه ما كان عاملاً فيها، فعملت العشرون فيه على تقدير: هذه الدراهم تُوازِنُ عشرين، أو تُماثلُ عشرينَ، أَوْ تُساوي عشرين، ثُمَّ يُقام اسم الفاعل مقام الفعل، فتصيرُ مُقادِرَةُ⁣(⁣٤) أَوْ مُماثَلَةً أَوْ مُوازنة،


(١) في (ع): (يُنصَبُ).

(٢) في (ع): (أَشْبَهَتها).

(٣) في الأصل: (الإضافة) بغير باء الجر، وهو تحريف، والتصويب من (ع).

(٤) في (ع): (مقاربة).