باب التمييز
  العدد، فلم تَحْتَج إلا إلى ذكر ما يدلُّ على الجنس. وإِذا قُلْتَ: هوَ أَفْرَهُ النَّاسِ عبداً، جاز أنْ تَعْني عبداً واحداً، فَمِنْ ثَمَّ جاز ذكر الجماعة.
  فأما ما يَنْتَصِب(١) بمعنى الفعل فهوَ ينْتَصِب بعد الأعداد، وذلك أنَّ العدد يُذكر بعده المعدود من الأجناس للتمييز؛ إذ كان العدد يقع على جميع المعدودات فاحتاج إلى ما يُفَسِّرُهُ. والعدد / على ضربين: أحدهما: تلْحَقُه نون، نحو: عشرون وثلاثون إلى تسعين. والآخر يلْحَقُهُ تَنْوين، نحو: ثلاثة وأربعة إلى تسعة. وحُكم هذا أن يُضاف إلى الجموع. فالذي فيه نونٌ فَإِنَّكَ تَنْصِبُ ما بعده على التمييز. فإنْ قالَ قائِلٌ: ولِمَ صارَ هذا العددُ يَنْصِبُ ما يقعُ بَعْدَهُ؟
  قيل له: لأنَّ هذه النّونَ أَشْبَهَتْ نونَ (ضاربينَ)، فكما تقولُ: هؤلاء ضاربون زَيْداً، فتَنْصِبُ (زيداً) بـ (ضاربينَ) تقولُ: هؤلاء عشرونَ رَجُلاً فَتَنْصِبُ (رَجُلاً) بعشرين. فإن قال: ومن أين وقعت المشابهة بين عشرين وضاربين؟
  قيل له: لما كانت (العشرونَ) تقتضي نَوْعاً يُقَدِّرُ بها، و (ضاربونَ) تَقْتَضي مفعولاً بعدها اشتبها(٢)، ولأنَّكَ قد تحذفُ النّونَ من كل واحد منهما فتجر ما بعده بالإضافة، وأيضًا فإِنَّكَ إذا قلت: عشرونَ دِرْهَمَا، فَلَيْسَ الدَّرْهَمُ بِنَعْتِ للعشرين فيتبعها في إعرابها، ولا العشرون مضافةً إليه فينجر بالإضافة(٣) ولا الدرهم معطوفا على [العشرينَ] فيعمل فيه ما كان عاملاً فيها، فعملت العشرون فيه على تقدير: هذه الدراهم تُوازِنُ عشرين، أو تُماثلُ عشرينَ، أَوْ تُساوي عشرين، ثُمَّ يُقام اسم الفاعل مقام الفعل، فتصيرُ مُقادِرَةُ(٤) أَوْ مُماثَلَةً أَوْ مُوازنة،
(١) في (ع): (يُنصَبُ).
(٢) في (ع): (أَشْبَهَتها).
(٣) في الأصل: (الإضافة) بغير باء الجر، وهو تحريف، والتصويب من (ع).
(٤) في (ع): (مقاربة).