البيان في شرح اللمع لابن جني،

عمر الكوفي أبو البركات (المتوفى: 539 هـ)

باب التمييز

صفحة 229 - الجزء 1

  ثم يُحذف اسم الفاعل ويُقامُ العشرونَ مُقامَهُ. فأما ما فيه تَنْوين فهوَ ما يَنتَصبُ بعد تمام الاسم، وهو على ثلاثةِ أَضْرُب: ممسوح، ومكيل، ومورون. فالممسوح نحو قولهم: ما في ثوبِهِ مَصَرُ دِرْهَم نسيجاً، وما في السَّمَاءِ قَدْرُ راحة سحابا، وما أشبه ذلك. والمكيلُ: راقود خلا. والموزونُ: مَنَوانِ سَمْنًا. فهذا جميعه تَنْصِبُ ما بعده، كما تنصب ما بعد العشرين؛ لأنَّ التَّنوين والنون بمثابة واحدة. وعلى هذا المذهب: لي مثلهُ رجُلاً؛ لأنَّ (مِثْلَهُ) شائع في أشياء / كما أن (الراقود) مكيال لِكُلِّ شَيْءٍ يُكال. فإذا قلت: خلا، فقد بينت هذا الجنس، وكذلك إذا قلت: لي مثْلُهُ رَجُلاً، فقد بينتهُ من غيره، وكذلك: لله دره فارسا، وأَكْرِمْ بِهِ عَالِماً.

  قال: «ومن المنصوب على التمييز قولُكَ: طبتُ به نَفْسًا، وضقت به ذرعا، وعلى الثمرة مثلها زبداً، وهذا راقود خلاً، وحسبُكَ به فارسا، ولله دركَ شُجاعًا. فلا بد في جميع التمييز من معنى (مِنْ)؛ أي: مِنْ شُجاع، ومن فارس، ونحو ذلك».

  اعلم أن التمييز هو ما قدرت فيه (من)، وقد مضى ذلك. كما أن الحال ما يُقَدِّرُ فيها (في)⁣(⁣١). وإِنَّما احتجت إلى تقدير (من) في التمييز؛ ليكونَ فَرْقًا بَيْنَهُ وبين الحال، ألا ترى أنَّكَ إِذا قلت: أَكْرِمُ به فارسا، وحسبك به خطيبا، جاز أن تكون في هذه الحال⁣(⁣٢)، فأَدْخَلْتَ (مِنْ)؛ لتفرق بينهما؛ وليُعْلَمَ أَنَّهُ تَمييز، قال


(١) انظر ما سلف ص ٢١٨ الحاشية رقم (٢).

(٢) ضبطت (الحال) في الأصل و (ع) بالكسر، والصواب بالرفع؛ لأنها اسم (كان) مؤخراً، وليست بدلاً من اسم الإشارة.