البيان في شرح اللمع لابن جني،

عمر الكوفي أبو البركات (المتوفى: 539 هـ)

باب حروف الجر

صفحة 244 - الجزء 1

  وهذه الحروف تنقسم قسمين:

  أحدهما: حُروفٌ تَنْفَرِدُ بالحرفية، فلا تكونُ غَيْرَ حُروف، وهي على ضربين: ضرب يعمل الجرَّ، ولا يعملُ غيره. وضرب يعمل الجرَّ وغير الجر. فأما الَّذي يعملُ الجر دون غيره فهو ستَّةُ أَحْرُف⁣(⁣١): (من) و (إلى) و (في) والباء، واللام و (رب)، فهذه الستة لا يكون ما بعدها أبداً / إلا مجرور⁣(⁣٢)، إما جرا ظاهراً أو مُقَدَّراً. فأما (حتى) فلا تكون إلا حرفًا وقد يختلفُ ما يقع بعدها، وتُذكَرُ في بابها. وكذلك الواو والتاء في القَسَم حَرْفانِ يَجْرَانِ، ولا يَجُران في غيرِهِ.

  قال: «فمعنى (مِنْ) الابتداء، تقولُ: سرتُ من البصرة⁣(⁣٣)؛ أي: ابتدأتُ السَّيْرَ من البَصْرَةِ. وتكون تبعيضا كقولك: أَخَذْتُ من المال؛ أي: بعضه، وشربتُ من الماء؛ أي: بعضه. وتكون زائدة دخولها كخُروجها، نحو قولك: ما جاءني من أحد⁣(⁣٤)، وما رأيتُ من أحد؛ أي: أحدا».

  اعلم أنَّ (من) إذا كانَتْ للابتداء فإنَّما تكون في الأماكن، نحو قولك: خَرَجْتُ من الكوفة إلى البصرة، فابتداء خروجك من الكوفة. وقد يجوز أن تكون الكوفة داخلة في الابتداء، وقد يجوز ألا تكون، وهي موقوفةٌ على الدليل، ولا خلاف أن ما قبل الكوفة ليس بداخل في الابتداء. وتكون للتبعيض كقولك: أَخَذْتُ من المال؛ أي: بَعْضَهُ، هذا مذهب (سيبويه)⁣(⁣٥). وقال (أبو العباس


(١) (فهو ستة أحرف): ليست في (ع).

(٢) في (ع): (ما بعده إلا مجرورا).

(٣) في (مل) زيادة: (إلى بغداد).

(٤) في (مل): (أي: ما جاءني أحد).

(٥) انظر الكتاب: ٢/ ٣٠٧.