باب التوكيد
  ولم يقل (حريصان)(١). والشواهد تَكْثُرُ في ذلك.
  فأما ما جاء على التقنية في الخبر(٢) من قول الشاعر، وهو (الفَرَزْدَق):
  ٩٤ - / كلاهما حينَ جَدَّ الجَرِّي بَيْنَهُما ... قَد أقلعا وكلا أَنْفَيْهما رابي
  فقال: (قَدْ أَقْلعا) فَإِنَّهُ جاءَ بالأوَّل على المعنى، وحمل الثاني على الأصل، نحو قوله(٣): [وكلا أَنْفَيْهما رابي]، ولم يقل (رابيان). وقد جاء في (كُلِّ) مثل ذلك نحو قوله تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ٩٣}(٤)، وقال تعالى في آية أخرى: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ ٨٧}(٥) فجاءَ مَرَّةً على اللفظ، ومرَّةً على المعنى. ومن جهة المعنى(٦) أنَّ (كلا) أُضيف إلى التثنية، والشَّيْءُ لا يُضافُ
(١) (ولم يقل حريصان): ليس في (ع).
(٢) في الأصل: (الجر)، وهو تصحيف، والتصويب من (ع).
٩٤ - البيت من البسيط، من قصيدة يهجو بها جريراً، ولم أقف عليه في طبعة الديوان التي بين يدي. انظر النوادر لأبي زيد: ٤٥٣، والخصائص: ٢/ ٤٢١، ٣/ ٣١٤، والمرتجل: ٧٠، والإنصاف: ٢/ ٤٤٧، وابن يعيش: ١/ ٥٤، وشرح التسهيل: ١/ ٧١، والمساعد ٢/ ٣٤٩، ٣٩٤، والمغني: ٢٢٤، والمقاصد: ١/ ١٥٧، والهمع: ١/ ٤١. الضمير في (كلاهما) يعود إلى عضيدة بنت جرير وزوجها الأبلق، وكلا أنفيهما رابي: يريد أخذهما الربو من المماحكة. وهو بهذا البيت يعير. جريرًا؛ لأَنَّهُ زَوج ابنته للأبلق.
(٣) في الأصل: (قوله تعالى) بإقحام لفظ (تعالى).
(٤) مريم: (٩٣) والآية في الأصل و (ع) «وَإِنْ كُلٌّ إِلا آتي الرحمن عبدًا» ولعل الآية التي بعدها أكثر دقة في الاستشهاد لهذا الموضع وهي {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ٩٥}. لأن الأولى مضافة إلى (مَنْ) والثانية مضافة إلى (هم).
(٥) النمل: (٨٧).
(٦) بين فيما سبق أن (كلا) و (كلتا) مفردان من جهة اللفظ، وساق على ذلك الشواهد ثم عاد ليبين أنهما مفردان من جهة المعنى.