باب العطف وهو النسق
  اعلم أن قول القائل: قام زيد أو عمرو، إِنَّما يَقْصِدُ أَنَّ / أَحَدَهُما قَامَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لِما عَرَضَ لَهُ من الشَّكِ في قيامه. هذا هو الظَّاهِرُ من كلامه، وقد يجوز أن يكون المتكلم غير شاك في قيامه ولكنه أبهم الأمر في ذلك على المخاطبين الحال المصلحة(١) لَهُمْ في ذلك، أو لأمر نَحا(٢) نَحوَهُ، كما يقولُ الإِنْسانُ: كَلَّمْتُ أَحد الرَّجُلَيْنِ، واخْتَرْتُ(٣) أحد الأمرين. فمما جاءَ مُنْهما في القُرآن قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ١٤٧}(٤)، وقوله تعالى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ٩}(٥)، وقوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ}(٦)، وقوله تعالى: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}(٧).
  فإن قال قائل: كيف وقع هذا الإبهام من القديم جَلَّتْ عظمَتُهُ على خَلْقه؛ إذْ كان قصدهُ بمُخاطَبَتهم البيان والإفهام(٨)، لإقامة الحجة عليهم؟ قيل له: يجوز أن يكون أنهم عليهم، ليُعْلِمَهُمْ(٩) بعجزهم عن حقائق الأشياء وأَنَّهُمْ لا يصلون إلى علم ذلك.
  وقد قال قومٌ: إِنَّ (أو) في هذه المواضع بمعنى الواوِ فِرَارًا مِنْ إِدْخالِ الشَّكُ أَوِ الإبهام في كلام القديم.
(١) في الأصل: (المصلة)، وهو تحريف، والتصويب من (ع).
(٢) في (ع): (نحونا).
(٣) في الأصل: (أخرت)، وما أثبته من (ع).
(٤) الصافات: (١٤٧).
(٥) النجم: (٩)، وفي (ع) (كقاب) وهو خطأ.
(٦) النحل: (٧).
(٧) البقرة: (٧٤).
(٨) في الأصل (الإبهام)، وهو تحريف، والتصويب من (ع).
(٩) في الأصل: (لعلمه) وفي (ع): (لعلمهم)، وكلاهما تحريف.