البيان في شرح اللمع لابن جني،

عمر الكوفي أبو البركات (المتوفى: 539 هـ)

باب العطف وهو النسق

صفحة 311 - الجزء 1

  فإن قال قائل: فلِمَ جَعَلْتَ: (أم) بعد (هَلْ مُنْقَطِعَةً وقدرتها بـ (بَلْ)؟ وهَلاً جَعَلْتَها بمنزِلَتِها مع الهمزة؛ لأنَّ الهمزة استفهام وَ (هَلْ) استفهام. قيل له: لَيْسَتْ (هَلْ) بمنزلة الهمزة؛ لأنَّ (هَلْ) لا تكون تقريراً ولا توبيخاً، ألا ترى أَنَّكَ لو قلت: هل تضرب زيداً؟ لم يجز أن تدعي وقوعَ الضَّرْب به، ولا توبيخه عليه وتقريره به، كما تقولُ: أَتَضْرِب زيداً وهو أخوك؟ تُوَبِّخُهُ على ذلك، فَلَمّا لَمْ تَقَعْ (هَلْ) موقع الهمزة لمْ تُنَزَّلُ منزِلَتَها، فصارَ ما بعد (هَلْ) مُنْقَطِعًا، وما بعد الهمزة متصلاً.

  وقد تقع (أم) بعد الخبر ولا تكون بمعنى (بَلْ)، وإنما⁣(⁣١) تكون على تقدير الهمزة، نحو قوله تعالى: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ ١٦}⁣(⁣٢) ولا يجوز أن تقدرها بمعنى (بَلْ)؛ لأنَّه يكون إخباراً عن اتخاذه البَنات تعالى عن ذلك، وإِنَّما تُقَدِّرُها على تقدير الهمزة، ويكون الكلام على الإنكار عليهم والرد لما قالوه من اتخاذ الله سُبْحانَهُ البَنات؛ لأنَّ همزة الاستفهام تكون للتقرير⁣(⁣٣)، نحو قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ١}⁣(⁣٤) وقوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}⁣(⁣٥). وتدخُلُ أيضا للإنكار، نحو قولهم⁣(⁣٦): أمقيمًا وَالنَّاسُ راحلون⁣(⁣٧). وتقع للرد على ما ذكرتُ، ومن ذلك قوله تعالى: {الم ١ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٢ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ}⁣(⁣٨) التَّقْدير - والله أعلم -: أيقولون


(١) من (ع)، في الأصل: (فإنما).

(٢) الزخرف: (١٦).

(٣) في الأصل و (ع): (للتقدير)، وهو تحريف.

(٤) الانشراح: (١).

(٥) التوبة: (٧٠).

(٦) في (ع): (نحو قول العرب).

(٧) القول في التبصرة: ١/ ٤٧٣، والرواية فيها (أمقيما وقد سار الركب).

(٨) السجدة: (١)، (٢)، (٣).