باب العطف وهو النسق
  وإن كانت معدومة، فـ (موجود) إِذَنْ(١) أخص من (شيء)؛ لأنك تقول: كل موجود شيء، وليس كلُّ شيءٍ موجوداً. و (محدث) أخص من (موجود)؛ لأنك تقول /: كلُّ مُحدَث موجود، وليس كلّ موجود مُحْدَثًا. و (جسم) أخص من (محدث)؛ لأنك تقول: كلُّ جسم مُحْدَثُ، وليس كلُّ مُحدَث جسما. فعلى هذا مراتب النكرة في إيغالها في الإبهام ومقاربتها الاختصاص(٢).
  اعلم أن النكرة إنما سميت نكرة؛ لأنّك لا تُعَرِّفُ بها شيئًا بعينه، فكلما أوغلت النكرة في الإبهام و العموم كان أشد لتنكيرها، وإذا تخصصت بنوع من الأنواع قربتها إلى المعرفة، وإن كانت نكرة، ولكن بتخصيصك(٣) لها قد فارقت الشياع والعموم، بيان ذلك ما مثَّلَهُ بـ (شيء)؛ لأن (شَيْئًا) يقع على جميع الأشياء حتى إننا نقول في صفات الله تعالى: إنه شيء لا كالأشياء لقوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}(٤). فسمى تعالى ذاته شَيْئًا، لأنه يَصْلُحُ لِكُلِّ مُسَمًّى، ووقع أيضاً على المعدوم فصار أعم الأشياء، فالموجود أخص نه، والمُحْدَثُ أَخَص(٥) من الموجود؛ لأنَّ القديم تعالى موجود، وصار الجسم أَخَص من المحدث؛ لأن المحدث يكون جسماً وغرضًا، وصار الحيوان أخص من جسم؛ لأن الجسم حيوان وغير حيوان، وصار الإنسان أخص من الحيوان؛ لأنَّ
(١) رسمت (إِذَنْ) في الأصل بالنون وفي (ع) بالتنوين (إذا). قال الرماني: «والاختيار عند البصريين أن تكتب بالألف، والاختيار عند الكوفيين أن تكتب بالنّون؛ لأنها نون في الحقيقة وليست بتنوين». معاني الحروف: ١١٧.
(٢) في الأصل: (في الاختصاص) بإقحام) في)، وما أثبتناه من (ع) و (مل).
(٣) في (ع): (ولكن تخصيصك ..)، وهو تصحيف.
(٤) الأنعام: (١٩).
(٥) في (ع): (فصار الموجود اخص منه وصار المحدث ..).