البيان في شرح اللمع لابن جني،

عمر الكوفي أبو البركات (المتوفى: 539 هـ)

باب العطف وهو النسق

صفحة 333 - الجزء 1

  واعلم أن هذا الضمير المرفوع المنفصل يجوز فيه ما لا يجوز في غيره من المضمرات، وذلك أنك تُؤَكِّدُ به الضمير المرفوع والمنصوب والمجرور: تقول قمت أَنْتَ، ولقيتُكَ أَنْتَ، وَمَرَرْتُ بِكَ أَنْتَ، وإِنما جاز أن تُؤكِّد به هذه الألفاظ؛ لأنّ الإعراب لا يظهر فيها، فلما لم يظهر فيها أكدوا به⁣(⁣١). وأيضا فإن⁣(⁣٢) المضمرات كلها قد اشتركن في ضمير الجماعة إذا قلت: فَعَلْنا، كان قولنا (نا)⁣(⁣٣) مرفوعا، وتقول: ضربنا زيد، فيكون منصوبا، ومَرَّ بِنا زَيْد، فيكون مجروراً، فلما وقعت المشاركة في بعض المواضع جاز أن تقع في غيرها.

  فإن قيل: فكيف يجوز أن يؤكد الضمير والشيء لا يُضْمَرُ إلا بعد معرفته وإزالة الشك عنه؟

  قيل له: لما كان في كلام العرب التَّجَوزُ جاؤوا بألفاظ التأكيد لإزالة اللبس الحاصل في الكلام، وقد مضى بيان ذلك، ألا ترى أننا إذا قلنا: ضَرَبَ الأمير اللص، كان الظاهر أن الضارب أعوان الأمير، فإذا قلنا: ضَرَبَهُ بِنَفْسِهِ أو الأمير نَفْسُهُ ضرب اللص، زال اللبس، فكذلك إذا قلت⁣(⁣٤): مررت بك، احتمل أن يكون مرّ بمن يختص به أو بداره، فإذا قلت⁣(⁣٥): أنت زال اللبس.

  وهذه الألفاظ المضمرة المرفوعة المنفصلة قد تقع مبتدأ وخبر مبتدأ، وتقع في خبر (كان)، وفي خبر (إنّ)، وتقع بعد حرف العطف، وحرف⁣(⁣٦) الاستثناء.


(١) كذا في الأصل وفي (ع) أيضاً ولعل الصواب: (فلما لم يظهر فيها أكدوها به).

(٢) في (ع): (... بها أيضاً ولان ...).

(٣) (نا): ساقطة من (ع).

(٤) من (ع) في الأصل: (قيل) وما أثبته يناسب ماجاء بعده: (.. فإذا قلت).

(٥) في (ع): (قال).

(٦) في (ع): (وبعد حرف ...).