باب العطف وهو النسق
  واعلم أن هذا الضمير المرفوع المنفصل يجوز فيه ما لا يجوز في غيره من المضمرات، وذلك أنك تُؤَكِّدُ به الضمير المرفوع والمنصوب والمجرور: تقول قمت أَنْتَ، ولقيتُكَ أَنْتَ، وَمَرَرْتُ بِكَ أَنْتَ، وإِنما جاز أن تُؤكِّد به هذه الألفاظ؛ لأنّ الإعراب لا يظهر فيها، فلما لم يظهر فيها أكدوا به(١). وأيضا فإن(٢) المضمرات كلها قد اشتركن في ضمير الجماعة إذا قلت: فَعَلْنا، كان قولنا (نا)(٣) مرفوعا، وتقول: ضربنا زيد، فيكون منصوبا، ومَرَّ بِنا زَيْد، فيكون مجروراً، فلما وقعت المشاركة في بعض المواضع جاز أن تقع في غيرها.
  فإن قيل: فكيف يجوز أن يؤكد الضمير والشيء لا يُضْمَرُ إلا بعد معرفته وإزالة الشك عنه؟
  قيل له: لما كان في كلام العرب التَّجَوزُ جاؤوا بألفاظ التأكيد لإزالة اللبس الحاصل في الكلام، وقد مضى بيان ذلك، ألا ترى أننا إذا قلنا: ضَرَبَ الأمير اللص، كان الظاهر أن الضارب أعوان الأمير، فإذا قلنا: ضَرَبَهُ بِنَفْسِهِ أو الأمير نَفْسُهُ ضرب اللص، زال اللبس، فكذلك إذا قلت(٤): مررت بك، احتمل أن يكون مرّ بمن يختص به أو بداره، فإذا قلت(٥): أنت زال اللبس.
  وهذه الألفاظ المضمرة المرفوعة المنفصلة قد تقع مبتدأ وخبر مبتدأ، وتقع في خبر (كان)، وفي خبر (إنّ)، وتقع بعد حرف العطف، وحرف(٦) الاستثناء.
(١) كذا في الأصل وفي (ع) أيضاً ولعل الصواب: (فلما لم يظهر فيها أكدوها به).
(٢) في (ع): (... بها أيضاً ولان ...).
(٣) (نا): ساقطة من (ع).
(٤) من (ع) في الأصل: (قيل) وما أثبته يناسب ماجاء بعده: (.. فإذا قلت).
(٥) في (ع): (قال).
(٦) في (ع): (وبعد حرف ...).