البيان في شرح اللمع لابن جني،

عمر الكوفي أبو البركات (المتوفى: 539 هـ)

باب النداء

صفحة 371 - الجزء 1

  اعلم أنّهم استقبحوا حذف حرف النداء من النكرة والمبهم نحو قولهم: يا رَجُلُ أقبل، ويا هذا أسرع، فلا يقولون: رَجُلُ أقبل، ولا⁣(⁣١): هذا أسرع وإنما قبح ذلك في النكرة؛ لأن تعريفها كان بالألف واللام نحو: الرجل، والغلام. فلما حذفا⁣(⁣٢) من الاسم لدخول حرف النداء استقبحوا أن يحذفوا حرف النداء، ويُبقوه معرفة بلا عوض.

  ووجه آخر وهو أن قولنا: يا رَجُلُ، تقديره: يا أَيُّها الرّجلُ فلا يحسن حذف حرف النداء مع حذف (أيها)⁣(⁣٣) والألف واللام؛ لأنّه إجحاف شديد فإن قال قائل: ولم قُلت: إن قولنا: يا رجل، تقديره: يا أيها الرجل؟ قيل له: قد ثبت أن ما فيه الألف واللام يتعرف تعريف العهد المتقدّم بين المتكلم والمخاطب. فلما أرادوا أن يعرفوه تعريف الإشارة جاؤوا بـ (هذا)؛ ليصير الرّجل صفة له فقالوا: جاءني هذا الرّجلُ، ورأيت هذا الرّجل، ومررت بهذا الرّجل. وقالوا في النداء: / ياأيها الرّجلُ فإذا قالوا: يا رجلُ، فقد وضعوه موضع: يا أيها الرّجلُ.

  وأما المبهم فقبح حذف حرف النداء لوجهين: أحدهما: أنك لما ناديته ذهبت منه الإشارة فَعُوض لزوم الحرف لما نقص هذا قول (المازني)⁣(⁣٤). والوجه الثاني: أنه يجوز أن يوصف (أي) بالمبهم فيقال: أَيُّ هذا أقبل، كما يقال: أَيُّها الرَّجُلُ أَقْبل. فلما حذفوا (أَيَّا) صارت (يا) بدلاً منها كما كانت بدلاً في قولنا: يا رَجُلُ، فلا يجوز حذفهما جميعًا، وهذا قول (سيبويه)⁣(⁣٥).


(١) (لا): ساقطة من (ع).

(٢) في الأصل: (حذفوا)، وهو تحريف، والتصويب من (ع).

(٣) في الأصل و (ع): (مع حذف يا أيها ..) بإقحام (يا).

(٤) انظر شرح الكافية للرضي: ١/ ١٤٢، وابن يعيش: ٢/ ٩.

(٥) الكتاب: ١/ ٣٢٥.