البيان في شرح اللمع لابن جني،

عمر الكوفي أبو البركات (المتوفى: 539 هـ)

باب التعجب

صفحة 464 - الجزء 1

  تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ٩١}⁣(⁣١) قالوا: انتهينا⁣(⁣٢)، وقوله تعالى: {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا}⁣(⁣٣) لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر؛ لأنّ القديم - جلت عظمته⁣(⁣٤) - لا يأمر نفسه وإنما هو إخبار وهو كثير، ولو كان قولنا: (أَفْعِلْ) أمراً لَتُنّي ضميره وجمع وأنث، فلما لم يكن ذلك عُلم أنه خبر.

  فإن قال قائل: لم قلتم: إِنّ (أَفْعِلْ به) فعل؟ وهل هو إلا بمنزلة قولنا: زيد أفضل من عمرو. قيل: الدليل على ذلك أنّ هذا البناء لا يكاد يوجد على وزنه اسم مبني، وإنما هو للفعل دون الاسم وأيضًا فإنّه قد دلّ على حدث وزمان ماض، وإن كان لفظه لفظ الاستقبال. فأما وقوع الجار والمجرور موقع الفاعل فقد جاء في قوله تعالى: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}⁣(⁣٥) وفي قولهم: كفى بزيد رجلاً⁣(⁣٦)، وجاء في قولهم: ما جاءني من أحد، وأُقيم مقام الفاعل في قولهم: سير بزيد، فلا يمتنع هاهنا أيضًا إلا أنه في هذه المواضع يجوز أن تُنزع الباء، فتقول: كفى اللهُ شَهيداً، وتقول: ما جاءني أَحَدٌ، ولو نزعت الباء من فعل التعجب / لبطل التعجب، وعاد إلى الخبر، فتقديره: كَرُمَ زَيدٌ فالباء لزمت فعل التعجب؛ ليُخالف سائر الأفعال.


(١) المائدة: (٩١).

(٢) ذكروا أن عمر بن الخطاب ¥ قال لما نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فلما نزلت هذه الآية قال: انتهينا يارب. انظر التفسير الكبير للرازي: ١٢/ ٨١.

(٣) مريم: (٧٥).

(٤) (جلت عظمته): ليس في (ع).

(٥) الرعد: (٤٣)، والإسراء: (٩٦). (وكفى ...): النساء: (٧٩)، (١٦٦)، والفتح: (٢٨). وفي يونس: (٢٩) (فکفي ...).

(٦) في (ع): (رجلاً مثله ...).