البيان في شرح اللمع لابن جني،

عمر الكوفي أبو البركات (المتوفى: 539 هـ)

باب الحكاية

صفحة 694 - الجزء 1

  جاءني رجل، فتقول: أَي يا فتى؟ ولقيت امرأةً، فتقول: أَيَّةً؟ ومررت برجلين، فتقول: أَيَّين؟ ولقيت نساء، فتقول: أيات يافتي؟».

  اعلم أن الأصل في هذه المسائل أن تُجابَ بالألف واللام؛ لأن النكرة إذا تكررت عُهدت، فإذا صارت معهودة أُدْخِلَ عليها حرف⁣(⁣١) التعريف، فكان ينبغي - إذا قال: رأيت رجلاً - أن يقال في جوابه: مَنِ الرَّجُلُ؟ فَلَمّا كثر ذلك عليهم اختصروا، وجاؤوا بهذه العلامات لتكون دالة على كلام المسؤول، وأيضاً لو قال: مَنِ الرَّجُلُ؟ لالتبس على المسؤول هل هو النكرة أو غيرها، وسُكِّنَتِ النون الزائدة⁣(⁣٢)؛ لأنها حكاية وموضع وقف، وفتحت النون من (مَنْ) مع الألف، وضمت مع الواو، وكُسرت مع الياء، لتكون تابعة للحروف في العلامة. وسكنت مع (منتين)⁣(⁣٣)، لأنها لا تحتاج إلى حركة فبنوها معها كما بنوها مع (بنت) و (أُخْت). فإن قيل: كيف خصوا النكرة / بالحروف وجعلوا المعارف بالحركات؟ قيل له: النكرة أشد تمكنا وأكثر إبهاما فخُصت بما يكون أبين وهو الحروف. فإن قيل: ما المانع أن تكون هذه الحروف في ذلك إعراباً كما تكون في التثنية والجمع؟ قيل له: يمنع من ذلك وجوه:

  أحدها: أن (مَنْ) مبنية والمبني لا يلحقه إعراب.

  والثاني: أن هذه العلامات تلحق في الوقف، وتُحْذَفُ في الوَصلِ، وهذا ضد الإعراب؛ لأن الإعراب يلحق في الوصل، ويُحذف في الوقف.

  الثالث: أن هذه العلامات متصلة بحروف الاستفهام، والاستفهام إنما يعمل فيه ما بعده لا ما قبله، فَعُلِمَ أنّها دلائل على كلام المُسْتَفهم منه⁣(⁣٤). وليس بإعراب.


(١) في الأصل و (ع): (حروف)، وهو تحريف.

(٢) كذا في الأصل و (ع)، وحقه: «وسكن الحرف الزائد) أي ألف (منا)، وواو (منو) وياء (مني).

(٣) في (ع): (مئين)، وهو تحريف.

(٤) (منه): ساقطة من (ع).