باب الحكاية
  جاءني رجل، فتقول: أَي يا فتى؟ ولقيت امرأةً، فتقول: أَيَّةً؟ ومررت برجلين، فتقول: أَيَّين؟ ولقيت نساء، فتقول: أيات يافتي؟».
  اعلم أن الأصل في هذه المسائل أن تُجابَ بالألف واللام؛ لأن النكرة إذا تكررت عُهدت، فإذا صارت معهودة أُدْخِلَ عليها حرف(١) التعريف، فكان ينبغي - إذا قال: رأيت رجلاً - أن يقال في جوابه: مَنِ الرَّجُلُ؟ فَلَمّا كثر ذلك عليهم اختصروا، وجاؤوا بهذه العلامات لتكون دالة على كلام المسؤول، وأيضاً لو قال: مَنِ الرَّجُلُ؟ لالتبس على المسؤول هل هو النكرة أو غيرها، وسُكِّنَتِ النون الزائدة(٢)؛ لأنها حكاية وموضع وقف، وفتحت النون من (مَنْ) مع الألف، وضمت مع الواو، وكُسرت مع الياء، لتكون تابعة للحروف في العلامة. وسكنت مع (منتين)(٣)، لأنها لا تحتاج إلى حركة فبنوها معها كما بنوها مع (بنت) و (أُخْت). فإن قيل: كيف خصوا النكرة / بالحروف وجعلوا المعارف بالحركات؟ قيل له: النكرة أشد تمكنا وأكثر إبهاما فخُصت بما يكون أبين وهو الحروف. فإن قيل: ما المانع أن تكون هذه الحروف في ذلك إعراباً كما تكون في التثنية والجمع؟ قيل له: يمنع من ذلك وجوه:
  أحدها: أن (مَنْ) مبنية والمبني لا يلحقه إعراب.
  والثاني: أن هذه العلامات تلحق في الوقف، وتُحْذَفُ في الوَصلِ، وهذا ضد الإعراب؛ لأن الإعراب يلحق في الوصل، ويُحذف في الوقف.
  الثالث: أن هذه العلامات متصلة بحروف الاستفهام، والاستفهام إنما يعمل فيه ما بعده لا ما قبله، فَعُلِمَ أنّها دلائل على كلام المُسْتَفهم منه(٤). وليس بإعراب.
(١) في الأصل و (ع): (حروف)، وهو تحريف.
(٢) كذا في الأصل و (ع)، وحقه: «وسكن الحرف الزائد) أي ألف (منا)، وواو (منو) وياء (مني).
(٣) في (ع): (مئين)، وهو تحريف.
(٤) (منه): ساقطة من (ع).