لا ثمرة لأي قول وعمل لا يقصد بهما مطابقة أوامر الله ونواهيه
  وقال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً ٢ إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً}[الدهر: ٢ - ٣]، {وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها ٧ فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها}[الشمس: ٧ - ٨]، {وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ}[البلد: ١٠] ولأجل هذا مثل لهم أمره تعالى بالابتلاء، والاختبار، وهو العليم الخبير، قال تعالى: {تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ١ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}[الملك: ١ - ٢]، لو لا ما قضته الحكمة الربانية لكان إيجادها وجميع ما فيها والحال هذه عبثا ولعبا، وعناء على أهلها وتعبا، ولهذا قال جل سلطانه، وتعالى عن كل شأن شأنه: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ}[المؤمنون: ١١٥]، فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم: {وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ١٦ لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ}[الأنبياء: ١٦ - ١٧]، {وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ٣٨ ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}[الدخان: ٣٨ - ٣٩] ولكنه جل شأنه وعلا على كل سلطان سلطانه رتب عليها دارين دائمين، لا زوال لهما ولا انقطاع، ولا نفاذ لما فيهما ولا ارتفاع، إما نعيما وملكا لا يبلى، وإما عذابا وحميما(١) لا يفنى، نعوذ برحمته من عذابه، ونرجوه بمغفرته حسن ثوابه، فيحق والله المعبود بكل عاقل أن يرتاد لنفسه طريق النجاة، ويجتنب كل ما يقطعه عما أراده به مولاه، وإذا نظر علم أن الضلال لم يكن في هذه الأمة، والأمم الخالية إلا من طريق اتباع الهوى، وهو الأصل في الإعراض عن الحق، والركون إلى الدنيا، ومجانبة الإنصاف، ومطاوعة الكبراء، والأسلاف، قال الله تعالى لرسوله داود ~: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ}[ص: ٢٦]، وقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[القصص: ٥٠]، {فَأَمَّا مَنْ طَغى ٣٧ وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا ٣٨ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى ٣٩ وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى ٤٠ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى}[النازعات: ٣٧ - ٤١].
  وقال جل اسمه: {وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا
(١) بالنصب على البدل من دارين، وقد كان في الأصل بالرفع خبر مبتدأ محذوف.