المصابيح في سيرة الرسول وآل البيت،

أبو العباس أحمد الحسني (المتوفى: 366 هـ)

افتراق الأمة

صفحة 15 - الجزء 1

  مِنْهُمْ}⁣[المائدة: ٥١]، {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}⁣[المجادلة: ٢٢]، {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}⁣[الممتحنة: ١] في آيات تتلى، وأخبار تملى، ولن تتمكن من معرفة الحق، وأهله إلا بالاعتماد على حجج الله الواضحة، وبراهينه البينة اللائحة، التي هدي الخلق بها إلى الحق، غير معرج على هوى ولا ملتفت إلى جدال، ولا مراء، ولا مبال بمذهب ولا محام عن منصب، {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}⁣[النساء: ١٣٥]، وقد سمعت الله ينعي على المتخذين أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، وما حكى من تبري بعضهم من بعض، ولعن بعضهم بعضا، وتقطع الأسباب عندهم رؤية العذاب، ولا يروعنك احتدام الباطل وكثرة أهله، ولا يوحشنك اهتضام الحق وقلة حزبه، فإن ربك جلّ شأنه يقول: {وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}⁣[يوسف: ١٠٣]، {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ}⁣[سبأ: ١٣]، {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}⁣[الأنعام: ١١٦].

  واعلم - كما أسلفت لك - أن الدعاوى مشتركة بين جميع الفرق، وكلهم يدعي أنه أولى بالحق، وأن سادته وكبراءه أولو الطاعة، وأهل السنة، والجماعة، ومن المعلوم أنه لا يقبل قول إلا ببرهان كما وضح به البيان من أدلة الألباب، ومحكم السنة والكتاب.

  وقد علم الله تعالى وهو بكل شيء عليم أنا لم نبن ما أمرنا كله إلا على الإنصاف، والتسليم لحكم الرب الجليل، بمقتضى الدليل: {فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ}⁣[الروم: ٣٠].

  وأقول: قسما بالله العلي الكبير، قسما يعلم صدقه العليم الخبير ألا غرض ولا هوى لنا غير النزول عند حكم الله، والوقوف على مقتضى أمره، وأنا لو علمنا الحق في جانب أقصى الخلق من عربي أو عجمي أو قرشي أو حبشي لقبلناه منه، وتقبلناه عنه، ولما أنفنا من اتباعه، ولكنا من أعوانه عليه وأتباعه، فليقل الناظر ما شاء ولا يراقب إلا ربه، ولا يخشى إلا ذنبه فالحكم الله والموعد القيامة، وإلى الله ترجع الأمور.