المصابيح في سيرة الرسول وآل البيت،

أبو العباس أحمد الحسني (المتوفى: 366 هـ)

[قصته مع أم معبد وشاتها]

صفحة 161 - الجزء 1

  فدعا بها رسول الله فمسح بيده ضرعها وسمّى الله، فتفاجت⁣(⁣١) عليه ودرت فاجترت، فدعا بإناء يربض الرهط، فحلب فيه ثجا حتى علاه⁣(⁣٢)، ثم رفعه إليها فسقاها حتى رويت، ثم سقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب آخرهم، ثم قال: «ساقي القوم آخرهم شربا»⁣(⁣٣).

  فشربوا جميعا عللا بعد نهل، ثم أراضوا ثم حلب فيه ثانيا بعد بدء حتى ملأ الإناء، ثم غادره⁣(⁣٤) عندها وارتحلوا⁣(⁣٥).

  فما لبثت حتى جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا له حيلا عجافا هزلا، وزحامهن قليل⁣(⁣٦)، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب، وقال: من أين لك هذا يا أم معبد والشاة عازب⁣(⁣٧) حيال ولا حلوب في البيت؟

  قالت: لا والله، إلّا أنه مرّ بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا.

  قال: صفيه لي يا أم معبد.

  قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم يعبه نحله، ولم يزر به صقله، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وطف، وفي صهوته صهل، وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، أزج، أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس


(١) أي فتحت ما بين رجليها للحلب.

(٢) أي سيلا، وقوله: حتى علاه: في رواية حتى علاه البهاء والمراد علا الإناء بهاء اللبن وهو وبيض رغوته أي أنه ملأها.

(٣) الحديث أخرجه السيوطي في الجامع الصغير (٢/ ٤٠) حديث (٤٦٣٠)، وأخرجه الترمذي في الجامع الصحيح (٤/ ٣٠٧) حديث رقم (١٨٩٤)، والطبراني في الأوسط، وابن ماجة في سننه (٢/ ١١٣٥)، حديث (٣٤٣٤)، وهو حديث صحيح.

(٤) قوله: أراضوا: أي أبقوا فيه بقية، والمراد أنهم شربوا حتى رووا فنقعوا بالريّ، وقوله: غادره: أي تركه وهو الإناء.

(٥) في (ب، ج): ثم ادره عندها وارتحلوا عنها.

(٦) قوله: حيلا: يقال له من الضأن: ثلة ومن المعز حيلة وهي الجماعة الكثيرة، وقوله عجافا: أي غير حلوبه، يقال: نزلوا في بلاد عجاف أي غير ممطورة وهذه حدّ عجاف إذا لم تكن رابية، وقوله: هزلا: شاة هزيل وشاء هزلى، أي هزيلة، تسير بضعف، تقول العرب: جاءت الغنم هزلى تساوك أي تتمايل من الهزل والضعف في مشيها.

(٧) الشاء عازب حيال: أي بعيد في المرعى، وحيال: سبق التنويه إلى معناها في الحاشية السابقة.