[كتاب معاوية لابن العاص]
  قال: كان المغيرة بن شعبة قد أشار عليّ أن استعمل معاوية على الشام وأنا بالمدينة فأبيت عليه، ولم يكن الله ليراني أن أتخذ المضلين عضدا(١).
  قال الواقدي في حديثه: فلما علم معاوية ذلك من علي قال: والله ما كتبت إليه وأنا أريد أن ألي له شيئا ولا أبايعه، ولكن أردت أن أخدعه وأقول: يا أهل الشام انظروا إلى علي وإلى ما عرض عليّ، فيزيدهم بصيرة ويختلف أهل العراق عليه، فاحضر العشية حتى تسمع كلامي، فقام: فحمد الله وأثنى عليه، وقال: كان إمامكم إمام الرحمة والعفو والبر والصلاة والصّلة عثمان بن عفان، فبطر علي بن أبي طالب النعمة، وطالت عليه المدة، واستعجل أمر الله قبل حينه، وأراد أن يكون الأمر له فقتل إمامكم وفرق جماعتكم وأطمع عدوكم فيكم، ومعه قميص عثمان وهو يقول: يا أهل الشام ذبح على هذا القميص كما تذبح الشاة، ثم بكى، وبكى أهل الشام ساعة طويلة، ثم قال: يا أهل الشام عمد ابن أبي طالب(٢) إلى البصرة، فلقي رجالا(٣) لا يعرفون قتاله، وأنتم أهل مناصحة في الدين وأهل طاعة للخلفاء، يا أهل الشام إن الله تعالى يقول في كتابه: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً}[الإسراء: ٣٣]، وأنتم ولاة دم خليفتكم والقائمون به وأنا معكم، فأجابه أهل الشام: سر بنا حيث أحببت ننصر إمامنا ونطلب بدمه(٤)، والذي أمره بذلك في حديث نصر بن مزاحم عمرو بن العاص.
[كتاب معاوية لابن العاص]
  قال نصر: حدثنا محمد بن عبيد الله وعمر بن سعد(٥) أن معاوية كتب إلى عمرو بن العاص
(١) الخبر: في وقعة صفين ص (٥٢) هكذا: عن نصر، عن محمد بن عبيد الله عن الجرجاني قال: كان معاوية أتى جريرا في منزله فقال: يا جرير، إني قد رأيت رأيا قال: هاته. قال: اكتب إلى صاحبك يجعل إلى الشام وقصر جباية فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده بيعة في عنقي، وأسلم له هذا الأمر، واكتب إليه بالخلافة، فقال جرير: أكتب بما أردت، وأكتب معك، فكتب معاوية بذلك إلى علي، فكتب علي إلى جرير: أما بعد فإنما أراد معاوية ألا يكون لي في عنقه بيعة، وأن يختار من أمره ما أحب، وأراد أن يرثك حتى يذوق أهل الشام، وإن المغيرة بن شعبة قد كان أشار علي أن استعمل معاوية على الشام وأنا بالمدينة، فأبيت ذلك عليه، ولم يكن الله ليراني أتخذ المضلين عضدا، فإن بايعك الرجل، وإلا فأقبل).
(٢) في (ب، ج): عمد علي بن أبي طالب.
(٣) في (ب): فلقي قوما.
(٤) انظر كتاب وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص (٦٢) وما بعدها.
(٥) نهاية الصفحة [١٥٤ - أ].