المصابيح في سيرة الرسول وآل البيت،

أبو العباس أحمد الحسني (المتوفى: 366 هـ)

[كتابه إلى خواص أصحابه]

صفحة 431 - الجزء 1

  وقد نسكوا وذبحوا للأصنام واستقسموا بالأزلام، مترددون في حيرة الضلالة، كلما ازدادوا «في ضلالهم جهلا»⁣(⁣١) وفي عبادتهم جهدا ازدادوا من الله بعدا، حتى تصرمت عنهم مدة البلاء بقيام محمد ÷ فيهم يدعوهم إلى النجاة، ويضمن لهم الظفر في الدنيا الماضية وحسن المثوبة في الآخرة، ويخبرهم عن القرون الماضية كيف نجا من نجا منهم بالاستجابة لرسلهم، وكيف بعث العذاب على من تولى منهم، وسألهم أن ينظروا إلى آثارهم وديارهم خاوية على عروشها، كيف تركوها وما فيها؟ فقال: يا قوم احذروا مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود، فأبوا إلّا التكذيب بالتوحيد، واستعظموا أن يجعلوا الآلهة إلها واحدا.

  فلما أمر أن يجاهد بمن أطاعه من عصاه وكبر عليه مجاهدة الكثير من المشركين بالقليل من المسلمين ضمن الله له عاقبة العلو والظفر، وشد له أزره وأعانه بابن عمه وابن صنو أبيه، وشريكه في نسبته⁣(⁣٢)، ومؤنسه في وحدته من الشجرة المباركة فرعا هما، دعا فاستجاب له على ضراعة الضرع الصغير من سنه، حتى سيط الإسلام بلحمه ودمه، ولم يخشع بين يدي ولاتهم وعزّاهم⁣(⁣٣) إذ هي تدعى، وغيره خاشع لها عاكف⁣(⁣٤) عليها، هي لهم منسك، إلى أن اشتدت على التوحيد أعظمه، وعظمت في أنحاء الخير هممه، إليه يستريح رسول الله بأسراره، فكان هو # الصديق الأكبر، الفارس⁣(⁣٥) المشتهر، وسابق العرب إلى الغاية، ليس أمامه فيها إلّا الرسول المرسل، بالكتاب المنزل يصلي بصلاته ويتلو معه آياته، تفتح لعملهما أبواب السماوات السبع، يهوي بجبهته مع نبيه ÷ إلى القبلة المجهولة عند قومه، ليست تنحى⁣(⁣٦) إصبع يمدها متوسل إلى الله جل ثناؤه غير إصبعه، ولا ظهر يحنو لله في طاعته قبل


(١) ساقط في (أ، د).

(٢) في (أ): نسبه.

(٣) في (ب، ج، د): عزاتهم.

(٤) نهاية الصفحة [٢٣٥ - أ].

(٥) في (ب) الفاروق المشتهر.

(٦) في (ب، ج): ليست تنحي إليه.