المصابيح في سيرة الرسول وآل البيت،

أبو العباس أحمد الحسني (المتوفى: 366 هـ)

[أمان الرشيد لصاحب الترجمة]

صفحة 495 - الجزء 1

  عليها، وهو أسمر نحيف خفيف العارضين، فشغل قلبي الفكر فيه، وأنا في ذلك الطواف إذ مرت بي عجوز من عجائز أهل المدينة تطوف، فلما وقعت عينها عليه أتته، فقالت: بأبي أنت وأمي يا بن رسول الله، الحمد لله الذي أرانيك في هذا الموضع آمنا.

  فلما عرفه الناس ازدحموا عليه فمد يده إلى نعله فانتعلهما⁣(⁣١)، وخرج من المسجد إلى منزله.

  قال أبو إسحاق إبراهيم بن رباح⁣(⁣٢) في حديثه: سمعت عبد الله بن محمد بن الزبير، وكان أبوه خاصة الرشيد، وذلك أنه كان صاحب رقيق بالمدينة، وكان الرشيد يبتاع منه الجواري⁣(⁣٣)، فصار عدة منهن أمهات أولاد، وكان الفضل بن الربيع يأنس به.

  قال إبراهيم: فحدثني عبد الله، عن أبيه قال: دخلت مع الفضل يوما إلى الرشيد، فرأيت يحيى بن عبد الله⁣(⁣٤) بين يديه، والرشيد يقرعه ويعتد عليه بأشياء، وفي كم يحيى بن عبد الله كتب، فجعل يحيى يدخل يده فيخرج كتابا، ثم يناوله الرشيد، ويأخذ بطرفه، ويقول: اقرأ هذا يا أمير المؤمنين فإذا أتى على قراءته أدخله كمه، وأخرج كتابا آخر ففعل مثل ذلك، قال: واعلم أن تلك الكتب حجج ليحيى، فعرض لي أن تمثلت بقول الشاعر:

  أنا أتيحت له حرباء تنضبة ... لا يرسل الساق إلّا ممسكا ساقا

  قال: فأقبل عليّ الرشيد مغضبا، فقال: تؤيده وتلقنه وتؤازره؟

  فقلت: لا والله يا أمير المؤمنين ما هكذا أنا ولا كنت على هذا قط، ولكني رأيته فعل شيئا في هذه الكتب أذكرني هذا الشعر، يناول الكتاب فلا يخليه في يدك، ويمسك طرفه بيده، ثم يرده إلى كمه، ويخرج غيره، فأذكرني هذا البيت.


(١) في (أ، د): نعله فانتعلها.

(٢) أبو إسحاق هو إبراهيم بن رباح، يروي عن عبد الله بن محمد بن الزبير السالف الذكر، كان والده من خاصة الرشيد، إذ كان أحد تجار الرقيق بالمدينة، وكان الرشيد يبتاع منه الجواري، ولم نقف على مزيد من أخباره غير ما هنا.

(٣) نهاية الصفحة [٢٩١ - أ].

(٤) ورد الاسم في (ج): يحيى بن عبد الله بن زيد، وهو تصحيف.