المصابيح في سيرة الرسول وآل البيت،

أبو العباس أحمد الحسني (المتوفى: 366 هـ)

[أمان الرشيد لصاحب الترجمة]

صفحة 499 - الجزء 1

  فدفعها⁣(⁣١) إلى أبي البحتري، فشق بها الأمان ويده تضطرب حتى جعله سيورا، فأخذته ووضعته في كمي، وأتيت به هارون.

  فقال لي: ما وراءك؟ فأخرجته إليه.

  فقال لي: يا مبارك.

  قال: ثم حبس يحيى بعد ذلك بأيام.

  قال محمد بن الحسن الفقيه: لما ورد الرشيد الرقة؛ وكنت قلدت القضاء؛ دخلت أنا إليه والحسن بن زياد اللؤلؤي وأبو البحتري وهب بن وهب، فأخرج إلينا الأمان الذي كتبه ليحيى بن عبد الله بن الحسن فدفعه إليّ فقرأته، وقد علمت الأمر الذي أحضرنا له، وعلمت ما ينالني من موجدة الرشيد إن لم أطعن فيه، فآثرت أمر الله والدار الآخرة، فقلت: هذا أمان مؤكد لا حيلة في نقضه، فانتزع الصك من يدي ودفعه إلى اللؤلؤي فقرأه، فقال كلمة ضعيفة، لا أدري سمعت أو لم تسمع: هو أمان.

  فانتزع من يده ودفع إلى أبي البحتري، فقرأه وقال⁣(⁣٢): ما أوجبها لله وما أمضاه، هذا رجل⁣(⁣٣) قد شق العصا وسفك دماء المسلمين وفعل ما فعل لا أمان له، ثم ضرب بيده إلى خفه؛ وأنا أراه؛ فاستخرج منه سكينا فشق الكتاب نصفين ثم دفعه إلى الخادم، ثم التفت إلى الرشيد وقال: اقتله ودمه في عنقي يا أمير المؤمنين.

  قال: فنهضنا عن المجلس، وأتاني رسول الرشيد أن لا أفتي أحدا، ولا أحكم، فلم أزل على ذلك إلى أن أرادت أم جعفر⁣(⁣٤) أن تقف وقفا، فوجهت إليّ في ذلك فعرفتها أن قد⁣(⁣٥) نهيت عن الفتيا وغيرها، فكلمت الرشيد، فأذن لي.


(١) نهاية الصفحة [٢٩٤ - أ].

(٢) في (أ، د): ثم، وفي (ب): فقال.

(٣) في (أ): هذا الرجل.

(٤) هي: سلّامة أم ولد بربرية، قيل: نفزية بلد من المغرب، وقيل: صنهاجية، انظر جمهرة أنساب العرب لابن حزم تحقيق عبد السلام هارون ص (٢٠).

(٥) نهاية الصفحة [٢٩٥ - أ].