[استشهاده #]
  فقلت له: إنه قال كذا وكذا، فرأيته وقد غضب وذهبت الرقة وقلصت الدموع من خديه(١)، وارتفعت، ثم نهرني وقال: فما قلت له؟ فخبرته بما قلت، فسكن، وقال: أحسنت بارك الله عليك.
  قال النوفلي: فخبرني أبي وغيره أن يحيى بن عبد الله أقام في الحبس(٢) حتى بعث الرشيد إليه من خنقه(٣) فمات.
  قال إبراهيم بن رباح: أخبرني جماعة من القواد منهم سلم الأحدب، وكان يقول: إنه مولى المهدي، وكان مع طاهر بالرقة، قال: لما صار طاهر إلى الرافقة(٤) احتاج إلى مرمة المنازل السلطانية التي سكنها وأن يهدم بعضها فيوسع ما كان ضيقا، فأمر بذلك، فكان فيما أمر بهدمه منارة مرتفعة من الأرض بجص وآجر لم يرى لها معنى في وسط ذلك البناء، فلما هدمت أتاه القيم وهو مذكور، فقال: إني هدمت هذه المنارة فهجمت على رجل أقيم فيها، ثم بنيت عليه، فقام طاهر حتى صار إلى الموضع وأشرف عليه، فلما نظر إليه قال: نعم هذا يحيى بن عبد الله بن الحسن بلغنا أنه صبر أيام الرشيد هاهنا بالرافقة وأمر بدفنه رحمة الله عليه.
  قال الأمير أبو الفضل بن الداعي |: هذا الفعل من هارون يدل على حمقه وقلة تمييزه، وهب أنه قتل ابن عمه لأنه خاف على نفسه وملكه ولم يراقب الله ø، فأية فائدة كانت في بناء منارة عليه.
(١) في (ب، ج): عينيه.
(٢) في (ج): بالحبس.
(٣) نهاية الصفحة [٢٩٨ - أ].
(٤) في (أ): الرقة، والصحيح الرافقة: مدينة إلى جنب الرقة، بناها المنصور أبو جعفر على هيئة مدينته ببغداد سنة (١٥٥ هـ)، وأتمها المهدي، ونزلها الرشيد، وهي مدينة واسعة عظيمة بها ينزل الأمراء، وهي مدورة كهيئة الطيلسان ولها ربض في شرقيها عليه سور، ولها جامعان: جامع في الرافقة، وجامع في الربض، انظر: الروض المعطار ص (٢٦٣). وقيل: إن بغداد هي الرقة القديمة، وأنها تجاور الرقة الجديدة، قال ابن خلكان: وهي البلد المشهور الآن على شاطئ الفرات ويقال لهما الرقتان.