المصابيح في سيرة الرسول وآل البيت،

أبو العباس أحمد الحسني (المتوفى: 366 هـ)

[استشهاد أبي السرايا]

صفحة 543 - الجزء 1

  حتى صار منه قريبا بقدر مزجر الكلب، فخطب محمد الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أهل الكوفة قد برح الخفاء وحق التصريح، إن هؤلاء القوم قد جدوا وتهاونتم، وصدقوا وكذبتم، وأيم الله ما بعد موقفكم هذا غاية، ولا بعد تقاعدكم عنهم فشل ولا مهانة، فاستحيوا من الله في حقه، وخيانة محمد في ذريته، فقد أصبحنا والله بين أظهركم وقد بدت لعدونا مقاتلنا، فلم يبق إلّا أن يطلعوا على فشلكم، ويتجاوزوا إليكم حيطانكم، ثم يقع ما لا مهرب منه، ويجب ما لا يملك دفعه، وبكى، ثم تلا هذه الآية {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}⁣[الزمر: ٣٠]، فبكى الناس حوله، ونهضوا للحرب، وزحفوا إلى هرثمة، فلما رأى هرثمة كثرتهم وجدهم⁣(⁣١) صرف أعنة دوابه قبل أن يرمى بسهم أو يزهق بسيف⁣(⁣٢)، وانصرف الناس من المصلى إلى الكوفة.

  قال نصر: فحدثني مشايخ من أهل الكوفة ممن حضر محمدا يخطب الناس، فقالوا: ما رأينا أحدا كان أربط جأشا ولا أثبت جنابا منه، والله لقد قربوا منا⁣(⁣٣) حتى لقد كادت تصل إلينا رماحهم⁣(⁣٤)، وتطؤنا خيلهم وإنه لعلى منبره ماض في خطبته، ما تزل له قدم، ولا ينقطع له قول.

  عن نصر بن مزاحم⁣(⁣٥) عن عبد الله بن محمد النهشلي قال: إنه لما كان يوم السبت لست بقين من ذي الحجة أقبل هرثمة في جماعة كثيرة من أصحابه، فخرج إليه أبو السرايا وأهل الكوفة، فاقتتلوا قتالا شديدا، فقتل من أهل الكوفة ثلاثون رجلا «وأسر مثلهم»⁣(⁣٦)، وقتل من أصحاب هرثمة سبعة نفر، ثم انصرفوا وعاد يوم الثلاثاء لخمس خلون من المحرم⁣(⁣٧) وقد


(١) نهاية الصفحة [٣٣٣ - أ].

(٢) بعد كلمة سيف وردت في (ب، ج): ويغرف بسهم.

(٣) في (د، أ، ج): قربوا إلينا.

(٤) في (ب، د): أرماحهم.

(٥) عنه بنفس الإسناد السابق.

(٦) ساقط في (أ).

(٧) في مقاتل الطالبيين ليلة يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة مضت من المحرم. ص (٤٤٤).