[استشهاد أبي السرايا]
  فلما وصل الكتاب إلى الباذغيسي جمع جنوده وأصحابه، ثم توجه نحو أبي السرايا فلم يشعر أبو السرايا إلّا بأصحاب الطبول وأصواتها، وتكبير الجند، فنادى أبو السرايا فينا فاجتمعنا فحرضنا وذكرنا وخوفنا العواقب، ثم نهض بنا إليه، فلما صرنا إليه صير مدينة السوس وراء ظهورنا وواقفنا القوم، فلم نر عسكرا كان أكثر عدة وكراعا منه، ومن ذلك العسكر، وأمسك أبو السرايا عن الحمل والقتال لما رأى من كثرتهم وعدتهم فدنا منه رجل من الأعراب فقال: والله ما هؤلاء القوم بأكثر ممن لقينا ولا بأشجع ممن هزمنا وقتلنا، فازحف بنا فإنا نرجوا أن يغلب الله بقلتنا كثرتهم(١)، ثم ترجل وأنشأ يقول(٢):
  ما ذا ألونا كرّ بقلب صادق ... قد حصحص الحق إلى الحقائق
  صبرا لهم بالسمر والبوارق
  قال: ودنا رجل من العلويين، فقال: ما الذي تنتظر، أترجو أن يرجعوا عنك، وقد اطلعوا على وهننا، فلف القوم بالقوم، وألحم الخيل بالخيل، فإما أعطاك الله الظفر، وإما رزقنا الشهادة فقتلنا(٣) محامين عن ديننا.
  فترجل وترجل الناس، وزحف بعضهم إلى بعض بالسيوف، فما سمعنا إلّا وقع السيوف على إلهام، تقصف القنا، وأحدق الخيل على محمد بن محمد فقتل بين يديه بشر كثير، وصبر الفريقان جميعا، وخرج أهل السوس فعلوا البيوت والجدر ورموا بالحجارة والنيران، وكبروا من خلفنا، فانحاز إليهم أبو الشوك(٤) في جماعة من الأعراب و «جماعة»(٥) من أهل الكوفة فرآه الناس حين رجع فظنوا أنها هزيمة، ووضع أصحاب الباذغيسى(٦) فيهم السيوف فقتلوا
(١) انظر مقاتل الطالبيين ص (٤٤٥).
(٢) الأبيات لأبي السرايا.
(٣) نهاية الصفحة [٣٣٨ - أ].
(٤) أبو الشوك: وقيل: أبو السيول، مقاتل الطالبيين ص (٤٢٦، ٤٤٦)، وهو غلام أبي السرايا.
(٥) ساقط في (أ).
(٦) في (أ): أصحاب عيسى.