[اجتماعه بأحمد بن عيسى وعبد الله بن موسى]
  فقال القاسم #: أشد ما مرّ بي أني لما خرجت من مكة أريد اليمن صرت إلى مفازة(١) لا ماء فيها، ومعي زوجتي ابنة عمي، وبها حمل فجاءها المخاض في ذلك الموضع فحفرت لها حفرة لتتولى أمر نفسها، وضربت في الأرض أطلب لها ماء، فرجعت وقد ولدت غلاما وجهدها العطش، وألحت في طلب الماء فرجعت إليها وقد ماتت والصبي حي، فكان بقاء الغلام أشد علي من وفاة أمه، فصليت ركعتين ودعوت الله أن يقبضه، فما فرغت من دعائي حتى مات(٢).
  وشكا عبد الله بن موسى أنه خرج في بعض قرى الشام وقد جد به الطلب وأنه صار إلى بعض المسالح، وقد تزيا بزي الأكرة(٣)، والملاحين فسخره بعض الجند وحمل على ظهره، وأنه كان إذا أعيا وضع ما على ظهره للاستراحة ضربه ضربا مبرحا، وقال: لعنك الله ولعن من أنت منه.
  وقال أحمد بن عيسى: وكان من غليظ ما نالني أني صرت إلى ورزنين(٤) ومعي ابني محمد فتزوجت من بعض الحاكة(٥) هناك، واكتنيت بأبي جعفر الجصاص(٦)، فكنت أغدو وأقعد مع بعض من آنس به من الشيعة ثم أروح إلى منزلي، كأني قد عملت يومي، وأولدت المرأة بنتا، وتزوج ابني محمد إلى بعض موالي عبد قيس(٧) هناك، وأظهر مثل الذي أظهرت، فلما صار
(١) في (أ): صرت في مفازة، والمفازة؛ المفاز البرية القفر، المفازة: الفوز والنجاة والصحراء والمهلكة والجمع مفاوز، المعجم الوسيط (مادة: فاز).
(٢) نهاية الصفحة [٣٤٤ - أ].
(٣) الأكار: الزّرّاع، والمؤاكرة: المزارعة على نصيب معلوم، والأكرة: الحفرة، وبه سمي الأكار، النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (١/ ٥٧).
(٤) قال الحموي: ورزنين من أعيان قرى الري كالمدينة. معجم البلدان (٥/ ٣٧١).
(٥) في (أ، د): فتزوجت إلى بعض الحاكة.
(٦) الجصاص: كنية اختارها صاحب الترجمة بقصد إخفاء اسمه خشية من ملاحقة أمراء بني العباس، وصاحب الترجمة ليس الشخص الوحيد الذي أخفى اسمه وظهر باسم مستعار، بل هناك غيره من أئمة أهل البيت الطاهر الذين لاحقتهم عيون بني العباس بقصد الفتك بهم.
(٧) في (ب، ج): موالي عبد قيس.