المصابيح في سيرة الرسول وآل البيت،

أبو العباس أحمد الحسني (المتوفى: 366 هـ)

[(3) أبو طالب]

صفحة 202 - الجزء 1

  ثم أقبل على عمرو فقال: يا عمرو ما حجتكما؟

  قالا: كنا وهم على دين آبائنا وآبائهم فتركوه إلى غيره.

  فقال النجاشي: إنما اختاروا لأنفسهم دينا⁣(⁣١) كما اخترتم أنتم عبادة الأصنام.

  فقال جعفر #: أتسمع أيها الملك، كنا وهؤلاء أهل جاهلية جهلاء، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، وكنا لا نعرف معروفا، ولا ننكر منكرا، فبعث الله إلينا رسولا ما نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده، ونعبده، ونخلع ما دونه من الأحجار والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء والفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله، فعدا علينا قومنا، فخرجنا إليك واخترناك على غيرك ورجونا أن لا نظلم عندك.

  فقال النجاشي: هل معك مما نزل من عند الله شيء تقرؤه؟

  فقرأ عليه صدرا من كهيعص⁣(⁣٢).

  فبكى والله النجاشي⁣(⁣٣) وأساقفته حتى اخضلت لحاهم ومصاحفهم.

  فقال النجاشي: هذا والذي جاء به موسى من مشكاة واحدة⁣(⁣٤) انطلقا، فو الله لا أسلمهم إليكما أبدا، فلما خرجا من عنده قال عمرو: والله لأستأصلن خضراءهم غدا.


(١) نهاية الصفحة [٨١ - أ].

(٢) أي صدرا من سورة «مريم» وقد أخرج الخبر ابن هشام (١/ ٣٣٤) مطولا وأبو نعيم في الحلية (١/ ١١٥) وسنده صحيح، وأحمد في المستدرك (١/ ٢٠١)، (٢٩٠ - ٢٩٢)، مجمع الزوائد (٦/ ٢٤ - ٢٧)، والذهبي في ترجمة جعفر من سير أعلام النبلاء (١/ ٢١٥ - ٢١٦) السيرة الحلبية (١/ ٣٣٨ - ٣٤١)، وابن إسحاق في سيرته مصدر سابق، البداية والنهاية (٣/ ٦٦) وما بعدها.

(٣) في (ب، ج، د): فبكى النجاشي.

(٤) وفي رواية جاء به عيسى من مشكاة واحدة، انظر السيرة الحلبية (١/ ٣٤١).