المصابيح في سيرة الرسول وآل البيت،

أبو العباس أحمد الحسني (المتوفى: 366 هـ)

الفرقة الناجية

صفحة 29 - الجزء 1

  شيئا سواه - بإذهاب الرجس عنهم، وتطهيرهم تطهيرا تاما، فأفاد العصمة في الاعتقاد والأقوال، والأفعال لأن ما يتنزه منه غير ذلك ليس بمراد قطعا.

  فإن قيل: لا يلزم من وقوع الإرادة وقوع المراد.

  قلنا: إدارته تعالى لا تخلو إما أن تتعلق بأفعال عباده أو بأفعاله، إن كان الأول فمسلم عدم الملازمة، لأنه لم يردها منهم إلا على سبيل الاختيار، وقد بنى أمره تعالى على الابتلاء، فهي واقفة على وجود دواعيهم وانتفاء صوارفهم ضرورة، وإن كان الثاني وهو تعلقها بأفعاله تعالى فلا محالة من وقوع المراد إذ لا صارف حينئذ إلا ما الله منزه عنه من العجز والبداء، تعالى الله سبحانه: {إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}⁣[يس: ٨٢]، {فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ}⁣[هود: ١٠٧]، وقد أسند الفعلين ø إليه في قوله ليذهب ويطهر صريحا حقيقة، كما في قوله تعالى: {يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}⁣[النساء: ٢٦]، {يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ}⁣[النساء: ٢٨]، {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ}⁣[البقرة: ١٨٥]، فكل هذه قد أرادها تعالى وهي واقعة، بخلاف ما أراد وهو موقوف على الاختيار، كقوله تعالى: {وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}⁣[النساء: ٢٧]، فقد أراد التوبة عليهم - وهي واقفة على اختيارهم - بفعل التوبة قطعا، عقلا وسمعا: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ}⁣[النساء: ١٧]، {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ ...} الآية [طه: ٨٢].

  فإن قيل: إذا كان الإذهاب والتطهير فعله ø لزم الجبر وارتفاع التكليف.

  قلنا: ليس فعله في ذلك إلا الألطاف والتوفيق، وعلى الجملة هي على معنى العصمة في الأنبياء À، وجماعة الأمة، فما قيل فيها قيل فيها، وكل على أصله، فظهر بهذا انحلال ما ذكره الشيخ ابن تيمية في منهاجه، وتبعه على ذلك محمد بن إسماعيل الأمير، حيث قال بعد إيراد كلامه: قلت وهذا البحث لازم على قواعد الاعتزال بلا ريب. انتهى.

  هذا وقد علم من صيغة العموم - التي هي الجنس المعرف باللام في الرجس الذي هو ما