المصابيح في سيرة الرسول وآل البيت،

أبو العباس أحمد الحسني (المتوفى: 366 هـ)

[بين عبد الله بن مسعود وعثمان بن عفان]

صفحة 292 - الجزء 1

  فأخذوه فسألوه أين تريد؟ قال: مصر، قالوا: هل معك كتاب؟ قال: لا، ففتشوه فإذا معه الكتاب، فرجعوا إلى المدينة ونزلوا بذي خشب⁣(⁣١) وسمع المسلمون بذلك بعد أن انصرفوا فنفروا إليه، فلما رأى أنهم نزلوا به، أرسل إلى علي # يناشده الله لما كفهم عنه، فقال #: لا أرى القوم يقبلون منك إلا ترك أمرهم أو يقتلونك.

  فلم يزل يطلب إليه بأنه يتوب في ثلاثة أيام من كل ذنب، ويقيم كل حد، فإن لم يفعل فدمه مباح، فكتب علي # عليه بذلك كتابا وأشهد عليه وأجله القوم⁣(⁣٢) ثلاثا، فلم يصنع شيئا، وسار عمرو بن حزم الأنصاري⁣(⁣٣) إلى ذي خشب، فأخبر أنه لم يصنع شيئا، فقدموا وأرسلوا إليه: ألم تزعم أنك تتوب؟

  قال: بلى.

  قالوا: فما هذا الكتاب الذي كتبته فينا.

  قال: لا علم لي به.

  قالوا: بريدك وجملك وكتاب كاتبك.

  قال: الجمل مسروق، والخط قد يشبه الخط، والخاتم قد ينقش عليه.

  قالوا: لا نأخذك به إن أقمت الحدود ورددت المظالم، وعزلت المنافقين فأبى، وقال: ما أرى لي أمرا في شيء ما الأمر إلّا لكم.

  قالوا: فاعتزلنا فإن أمرنا ليس بميراث ورثته عن آبائك.

  قال: ما أنا بالذي أنزع سربالا كسانيه لله.

  قالوا: بلى، ليس للرجل أن يتأمر على المسلمين⁣(⁣٤) وهم له كارهون، فأبى، فحاصره المسلمون أربعين ليلة رجاء توبته، وطلحة بن عبيد الله يصلي بالناس، وقد كان حضر الموسم،


(١) موضع متصل بالكلاب على مرحلة من المدينة على طريق الشام. انظر: الروض المعطار ص (٢٢٤).

(٢) في (ب): وأجله القوم بذلك.

(٣) عايش رسول الله ÷ وأمره على أهل نجران، روى عنه ابنه محمد والنضر بن عبد الله السلمي، وزياد بن نعيم الحضرمي، توفي بالمدينة سنة (٥١ هـ)، وقيل: سنة (٥٣ هـ)، انظر: الاستيعاب (٣/ ٢٥٦ - ٢٥٧) ترجمة (١٩٢٩) طبقات ابن سعد (٦/ ٢٣)، سير أعلام النبلاء (٣/ ٤١٧)، الإصابة (ت ٥٨٢٦)، أسد الغابة (ت ٣٩٠٥)، مروج الذهب (١٨٩٦)، تهذيب التهذيب (٨/ ١٧)، شذرات الذهب (١/ ٩٥).

(٤) نهاية الصفحة [١٣٩ - أ].