المصابيح في سيرة الرسول وآل البيت،

أبو العباس أحمد الحسني (المتوفى: 366 هـ)

[خروجه ونص دعوته]

صفحة 458 - الجزء 1

  لم ننظر إلى كثرة عدونا وقلة من تبعنا، صدقا عند اللقاء صبرا عند الموت، لا نفارق ألويتنا، ولا ظلال رماحنا⁣(⁣١)، حتى نمضى إلى ما أمرنا به، وننتجز ما وعدنا به من ثوابه غير شاكّين ولا مرتابين لا نخشى إلّا الله، أما والله صدقا وبرا.

  أيها الناس لقد ضللتم بخذلانكم لنا، وصدفكم عن الحق، فلم تهتدوا بهدينا، ولم تقتدوا إلّا بغيرنا⁣(⁣٢)، أثرة للدنيا وحبا لها، وركونا إليها، إذ أخرجتم الأمر عن أهله، وجعلتموه في غير محله، فأصبحتم في فتن كقطع الليل المظلم، مع غير إمام هدى⁣(⁣٣)، ولا علم يرى، فقد تفرقت جماعتكم بعد ألفتها، وتصدعت سبلكم بعد انتهائها بإيلاء حكم الظلم والجور والأثرة علينا، منعتمونا سهمنا، وما جعله الله في كتابه لنا، فصار لغيركم ولغيرنا، يقتدي الخلف منكم بالسلف، ويولد مولودنا⁣(⁣٤) في الخوف، وينشأ ناشئنا في الغربة، والفقر، ويموت ميتنا بالقتل والذل والصلب، وأنواع المثلات، عمل قوم فرعون في بني إسرائيل، تذبح أبناؤهم لخشية آبائهم، وتستحيا نساؤهم، فهذا حالنا فيكم وبين أظهركم، افتخرت قريش على العرب بأن محمدا قرشي، وافتخرت العرب على العجم بأن محمدا عربي، حتى إذا تمت لقريش النعمة، وللعرب الفضيلة بما سألوا الناس من حقنا أخّرونا، وتقدموا، ورأوا لأنفسهم من الفضل علينا ما لم يروه لغيرهم من سائر الناس من حقنا، وقالوا⁣(⁣٥): نحن أحق وأولى بتراث نبي الله وسلطانه، فلا هم أنصفونا من أنفسهم إن كان هذا الأمر للقرابة؛ إذ كنا أقرب الناس منهم، ولا أنصفنا الناس إن أجازوا مع القرابة لمن هو أبعد رحما ولعمري لو رجت قريش الظهور في البلاد والتمكن بغير⁣(⁣٦) التوحيد وتصديق محمد الصادق وما أنزل عليه، والخروج إلى عبادة الأوثان


(١) في (ب): أرماحنا.

(٢) في (ب، ج، د): ولم تهتدوا بغيرنا.

(٣) في (أ، ب، ج): مع غير إمام فيها.

(٤) في (ب): مولدنا.

(٥) نهاية الصفحة [٢٥٨ - أ].

(٦) في (أ، ب، ج): بخلاف.