[خطبته بعد وفاة والده #]
  بمظلمة، ولا ادعى عليه أحد عدولا عن الحق، وميلا إلى الهوى، ومحاباة لولد وذي قربى، بل كان يعمل بكتاب الله وسنة نبيه ÷ قد جعلهما نصب عينيه، لا يفارقهما ولا يزايلهما، ولا يدع العمل بهما، فأفعالكم التي تفعلون، وسيرتكم(١) التي بها تسيرون، وطرقكم التي فيها تسلكون لا نحمدها ولا نأمن من الله ø العقوبة على مقارتكم عليها، ومداجاتكم فيها، وأنتم إلى الباطل تميلون، وعن الحق تفرون، وفي معاصي الله تسارعون، ولو لا إيثار طاعة الله والائتمار لأمره والوقوف عند ما حد من حكمه، لكان ما عرضتم علي منه من طلب الدنيا وإرادة من اتبع الهوى، هيهات لا أزول عن أمر الله شبرا، ولا أفارق حكمه فترا حتى ألحق بالله على بصيرة، وألقاه جل وعز بعزيمة صادقة، فإن تقبلوا إلى طاعة الله وتنقادوا لأمر الله وتصبروا على حكمه فيما ساءكم وسركم، وأعطاكم وأخذ منكم، كنتم من الفائزين، وعند خالقكم من المقربين، فاتقوا الله وارجعوا باللوم على أنفسكم وتوبوا إلى الله رب العالمين، وقوموا له قانتين، ولأوليائه موالين، ولأعدائه معادين، ولأهل معصيته منابذين، ولمن خالف أمره مهاجرين(٢)، ولآثار رسوله متبعين، وللمعصية والفسوق تاركين، وبالمعروف آمرين، وعن المنكر ناهين، وللأئمة الصالحين من أهل بيت رسول الله مطيعين، واعلموا {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}[النحل: ١٢٨](٣).
  ولم ينو المرتضى ¥ ملابسة هذا الأمر، ولم يرد اعتناقه والقيام به بوجه من الوجوه؛ لمعرفته بسوء نية أهل اليمن وعلمه، ولكنه لم يؤيسهم ولم يبعدهم من طلبتهم، خوفا من تغلب القرامطة على تلك البلاد، وخشية على الضعفاء والأرامل والأيتام من السبي والغارة، فكاتب حلفاء أبيه الهادي # من قواد بلاد اليمن ومخاليفها فاقرهم على ما كانوا يتولونه من الأعمال وأمرهم بضبط ما في أيديهم ومحاربة من قصدهم من القرامطة والمخالفين، وأمرهم بالتعاون والتناصر، وأن يمد بعضهم بعضا إذا احتاجوا إلى ذلك، وأمرهم
(١) في (أ): وسيركم.
(٢) نهاية الصفحة [٣٧٣ - أ].
(٣) الخطبة في الحدائق الوردية (١/ ٢ / ٤٣ - ٤٤)، وبعد خطبة صاحب الترجمة بايعه الناس في غرة المحرم سنة (٢٩٩ هـ).