[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  الوجه وخلافه فهو المتشابه، فأقوى ما يعلم به الفرق بين المحكم والمتشابه أدلة العقول؛ وإن كان ربما يقوى ذلك بما يتقدم المتشابه أو يتأخر عنه، لأنه هو الذي يبين أن المراد به ما يقتضيه المحكم، ومما يبين ذلك أن موضوع اللغة يقتضي أنه لا كلمة في مواضعتها إلا وهي تحتمل غير(١) ما وضعت له، فلو لم يرجع إلى أمر لا يحتمل لم يصح التفرقة بين المحكم والمتشابه.
  ٣ - مسألة: فان سأل فقال: إن كان المحكم في اللغة العربية كالمتشابه.
  وقد قلتم إن من حق هذه اللغة أن يصح فيها الاحتمال ويسوع فيها التأويل، فبما ذا يعلم المحكم متميزا من المتشابه في الوجه الذي بينتم أنه لا بد من أن يكون له مزية فيه؟
  وبعد، فإذا كان الناس قد تنازعوا في المحكم والمتشابه؛ كما اختلفوا في نفس المذهب - لأن ما يعده المشبّه محكما عند الموحّد من المتشابه، وما يعده «الموحّد محكما(٢) عند المشبّه بخلافه، وكذلك(٣) القول فيمن يعتقد الجبر وفيمن يقول بالعدل، وهذه الطريقة معروفة من حالهم عند المناظرة والمباحثة - فيحب أن لا يصح أن يميز أحدهما من الآخر إلا بأن يرجع فيه إلى محكم آخر، والقول فيه كالقول فيما يتنازعه، أو بأن يرجع فيه إلى أدلة العقول، وفي ذلك إسقاط التعلق بالمحكم وإثبات مزيته على المتشابه!
  قيل له: إنا قد بينا أن الذي أوردته هو الذي يلجئ إلى الرجوع إلى أدلة العقول فيما يتصل الخلاف فيه بالعدل والتوحيد، وقد بينا صحة ذلك لأنا قد
(١) في الأصل عبر
(٢) في الأصل هو محكم.
(٣) في الأصل: فكذلك.