متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 31 - الجزء 1

  لأنه يعلم بعلوم، ومن حقها أن تتعلق بمعلومات مخصوصة؛ لأن كل علم فإنما يتعلق بمعلوم واحد.

  فإذا علم ذلك، وعلم بالاختبار في الشاهد أن المستغنى عن القبيح، العالم بقبحه لا يختاره، وأنه إنما يختار ذلك إما لجهل بحال القبيح، أو بحاله [هو] في استغنائه عنه، فيقدّر في القبيح أنه حسن، أو يقدر أنه محتاج إليه، أو لأنه يعلم أنه يحتاج إليه في الحقيقة. فأما إذا زالت هذه الوجوه أجمع، فإنه لا يختار القبيح، كما لا يختار أحدنا - والحال هذه - التشويه بنفسه والإضرار بها.

  فإذا صح بالاختبار عنده ما ذكرناه، وعلم أنه تعالى عالم بكل قبيح، وبأنه مستغن عنه، لم يجز أن يختاره.

  فإذا صح عند العارف باللّه ø أنه لا يفعل القبيح، وعلم بالاختبار أن الخبر يقبح إذا كان كذبا، والأمر يقبح إذا كان أمرا بقبيح، وجب أن ينفى عن أخبار القرآن الكذب، وعن أوامره أن تتعلق بالقبيح.

  ومتى علم أن الألغاز والتعمية إنما يحسن من أحدنا أن يستعملها لحاجة إلى اجتلاب منفعة أو دفع مضرة، ولا يحسن استعمالها متى كان الغرض البيان والإفادة فقط. وثبت أنه تعالى لا يجوز عليه المنافع والمضار، وأنه يخاطب المكلف لمصالحه ويقصد بالخطاب البيان والتعريف. فلو جوزنا - والحال هذه - في بعض خطابه التعمية لجوزنا في سائره، وفي ذلك إخراج القرآن أجمع من أن يكون حجة وبيانا، فيجب إذا علمنا أنه تعالى لا يفعل القبيح، ولا يكذب في أخباره، ولا يعمّى أن يعلم أن القرآن حجة؛ لأن الذي يخرجه من أن يكون حجة بعض ما قدمنا ذكره. فإذا أمنّاه علم بأن الخبر صدق، وأن الأمر حق، فيصح الاستدلال به على ما دل به عليه.