[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  فيهم لم يصح أن يكون مبتليا لهم به؛ لأن ذلك انما يصح في الألطاف التي يختار المؤمن عندها(١) الطاعة دون غيرها.
  وقوله تعالى من بعد: {وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ} يدل على أنهم عصوا، ولو كان انصرافهم عن الكفار من فعله تعالى لم يكن للعفو معنى.
  ثم بين تعالى أن له الفضل على المؤمنين على كل حال؛ لأنه إذا عفا عمن عصى منهم، وأثاب من لم يعص، فقد شملت نعمته الكل.
  ١٣٤ - مسألة: قالوا: ثم ذكر بعده ما يدل على أنه تعالى فعل في المؤمنين الهزيمة يوم أحد فقال: {فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ}[١٥٣].
  والجواب عن ذلك: أن هذا الكلام لا ظاهر له. فإنما يدل على أنه تعالى ألحقهم غما بغم، وليس للأفعال فيه ذكر، وليس فعلهم هو الغم بنفسه، وتسمية الغم إثابة مجاز فيما يعلم بالتعارف. وقوله تعالى {غَمًّا بِغَمٍّ} لا بد فيه من اتساع. وما هذا حاله لا يصح التعلق بظاهره.
  والمراد بذلك: أنه تعالى ألحق قلوبهم غما بعد غم، «وكرر ذلك عنهم عند(٢) فشلهم ومعصيتهم؛ لأنه تعالى إنما يضمن لهم النصرة بشرط استمرارهم على الطاعة، فلما خالف بعضهم أمر الرسول صلّى اللّه عليه رغبة في الغنائم ألحقهم الغموم لما علم من الصلاح، ولما تكرر الغموم وعاقب بعضها بعضا جاز أن يقول غما بغم وأراد: غما مع غم «وبعد غم(٣) وهو في باب الدلالة على كثرته وتضاعيفه آكد من سائر ما ذكرناه من الألطاف.
(١) د: عنده.
(٢) د: وكرر عليهم ذلك عند.
(٣) ساقط من د.