[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  فلا تعلق للقوم بظاهره.
  وبعد، فإن قوله {وَلَوْ شاءَ} يدل على أنه لم يشأ، ولا يدل على أنه لم يشأ من جميع الوجوه، فمتى كان ذلك الباب مما يراد على وجهين لا يجتمعان، فبنفى أحدهما لا يجب نفى الآخر، فلا يصح ادعاء العموم فيه.
  وبعد، فإنه لم يقل: لو شاء لجعلهم أمة واحدة في أمر مخصوص، فظاهر ذلك يقتضى أن يجعلهم جماعة واحدة متساوية في باب ما، فمن أين بظاهره أن المراد ما قالوه؟.
  والمراد بالآية: أنه لو شاء لألجأهم إلى أن يصيروا أمة واحدة مجتمعين(١) على الهدى والإيمان، ولذلك أضاف ذلك إلى جعله، لكنه لم يرد ذلك لما فيه من زوال التكليف، وأراد أن يؤمنوا طوعا على وجه يستحقون به الثواب العظيم، ولهذا قال: {وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ} منبها بذلك على ما ذكرناه(٢).
  ١٩٦ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه جعل الكافر كافرا فقال: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ}[٦٠] فبين أنه تعالى خلق عبد الطاغوت وجعله كذلك، وهو الذي نقول به.
  والجواب عن ذلك: أن ظاهره يقتضى أنه جعل وخلق من يعبد الطاغوت، كما أنه جعل منهم القردة والخنازير، ولذلك قال تعالى: {أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً}(٣)
(١) ساقطة من ف.
(٢) انظر الفقرة: ٧٦.
(٣) تتمة الآية السابقة ٦٠ قوله تعالى: {أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ}