متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 248 - الجزء 1

  لا على جهة إظهار العداوة، سيما وظاهر الكلام يقتضى الاستفهام، فلا يصح تعلقهم بالظاهر.

  والمراد بالآية: أنه صلّى اللّه عليه لما قرب فقراء المسلمين وألزمهم مجلسه شق ذلك على أشراف العرب، فألزمهم اللّه تعالى الصبر، وسمى ذلك فتنة «لما يقتضيه⁣(⁣١) من المشقة، فقال تعالى: {وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ}.

  وقوله تعالى: {لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا} حكاية عنهم أنهم عند ذلك يستفهمون بهذا القول؛ لأنهم لا يجوز أن يكونوا منكرين لذلك مع إيمانهم واختصاصهم بالرسول صلّى اللّه عليه؛ لأن ذلك يوجب الكفر.

  ١١٣ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه قد نهى عن النظر والتدبر⁣(⁣٢) فقال تعالى: {وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ...}⁣[٦٨].

  والجواب عن ذلك: أن ظاهر الكلام يقتضى أن الخوض في آياته يقتضى أن يعرض لأجله، وهذا مما لا يذهب إليه مسلم، لأنهم أجمع يقولون: إنه يحسن


(١) ساقط من ف.

(٢) يطلق النظر ويراد به معان، فيراد به الرؤية بالعين، والإحسان والرحمة، كما يراد به نظر القلب، وهذا هو المراد في إطلاقهم؛ وحقيقة ذلك هو الفكر، لأنه «لا ناظر بقلبه إلا مفكرا، ولا مفكر إلا ناظرا بقلبه» كما يقول القاضي. وقد عول المعتزلة على النظر الذي يكشف عن الحقيقة، وبسطوا القول فيه، وقد خصه القاضي بجزء كبير من كتابه: المغنى؛ لأن عندهم أن العقل حاكم قبل السمع، وأن الناس كانوا يحكمون عقولهم قبل ورود الشرائع فيحسنون ويقبحون، ولما أوجب المعتزلة النظر قالوا بفساد التقليد لما قد يؤدى إليه من جحد للضرورة.

راجع المغنى: ١٢ (النظر والمعارف) ص: ٤، ص ١٢٢ مع مقدمة المحقق الأستاذ الدكتور إبراهيم مذكور.