[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  ٢٦٩ - مسألة: قالوا ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه خلق الكفار لجهنم وللكفر، وأنه أراد بهم ذلك ومنهم: فقال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ}[١٧٩] ثم حقق ذلك بقوله: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها}(١) فبين أنه جعلهم بحيث لا يفقهون ولا يبصرون ولا يسمعون!
  والجواب عن ذلك: أن ظاهره يقتضى أنه خلقهم وأراد بهم جهنم؛ لأنه المراد المذكور في الكلام: وقد علمنا أن ذلك لا يدل على أنه أراد الكفر وسائر ما يستوجب به جهنم، فظاهره لا يدل على ما قالوه.
  فإن قال: إذا أراد بهم جهنم فلا بد أن يريد ما يؤدى إليها، فذلك غلط؛ لأنه تعالى يريد العقاب - عندنا - وإن لم يرد ما يستحق به، كما قد يريد من الغير التوبة وإن لم يرد ما لأجله تجب التوبة من المعاصي. وقد يريد الإمام إقامة الحجة على السارق والزاني وإن لم يرد السرقة والزنا، فلا يمتنع من أن يريد تعالى بهم العقوبة، بشريطه أن يكفروا! بعد إقامة الحجة وإزاحة العلة. فمن أين بظاهره أن المراد به أنه يريد منهم الكفر؟.
  ويخالف ذلك ما قلناه من أن قوله تعالى: {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(٢) يدل على إرادته العبادة من جميعهم، لأن هناك دخلت اللام على نفس ما ادعيناه مرادا له، وفي هذه الآية دخلت على أمر سوى ما زعم المخالف أنه أراده.
  ويبين ما نقوله في ذلك أن قوله تعالى: {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}
(١) من تتمة الآية: ١٧٩.
(٢) سورة الذاريات، الآية: ٥٦.