[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  فأما قولي تعالى: {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى} فقد يصح حمله على ما قلناه، لأنه بألطافه وتأييده تم له في الرمي ما تم.
  ويجوز أن يريد به(١): وما بلغت الرمي حيث بلغ إذ رميت، ولكن اللّه بلغه؛ لأنه على ما روى تناول التراب والحصى فرمى به وجوه الكفار فقال:
  (شاهت الوجوه)(٢)، فوصل ذلك إلى عيونهم وأوهى قلبهم، وذلك منه تعالى
(١) في د. يريده.
(٢) روى الطبراني بإسناد حسن عن حكيم بن حزام قال. (لما كان يوم بدر أمر رسول اللّه ﷺ فأخذ كفا من الحصى، فاستقبلنا به فرمى بها، وقال. شاهت الوجوه، فانهزمنا، فأنزل اللّه ø. {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى}. وعن ابن عباس أن النبي ﷺ قال لعلي: ناولني كفا من حصى، فناوله فرمى به وجوه القوم، فما بقي أحد من القوم إلا امتلأت عيناه من الحصباء، فنزلت. {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى} الآية. رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. انظر مجمع الزوائد للهيثمي.
٦/ ٨٤. وروى الطبراني كذلك - باسناد حسن - من حديث طويل لأبى أيوب الأنصاري، في غزوة بدر قال. (... فأخذ - رسول اللّه - قبضة من التراب، فرمى بها في وجوه القوه فانهزموا) المصدر السابق ٦/ ٧٤. وقد ذكر الطبري في تفسير قوله تعالى {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ...} عدة روايات في هذا المعنى. انظر الجامع ٩/ ٢٠٥ وفي الصحاح أن هذه القصة وقعت في غزوة حنين، فقد أخرج مسلم من حديث سلمة بن الأكوع، في انكشاف المسلمين أول غزوة حنين - من حديث طويل - قال. (فلما غشوا رسول اللّه عليه وسلم نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض، ثم استقبل به وجوههم فقال.
شاهت الوجوه، فما خلق اللّه منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة، فولوا مدبرين) صحيح مسلم بشرح النووي. ١٢: ١٢١/ ١٢٢. ولأحمد وأبى داود والترمذي، من حديث أبى عبد الرحمن الفهري في قصة حنين، قال. فولى المسلمون مدبرين - كما قال تعالى - فقال رسول اللّه. أيا عباد اللّه أنا عبد اللّه ورسوله ثم اقتحم عن فرسه فأخذ كفا من تراب قال.
فأخبرني الذي كان أدنى إليه منى، أنه ضرب وجوههم وقال. شاهت الوجوه، فهزمهم).
فتح الباري. ٨/ ٢٥ - ٢٦. وعلى هذا تكون هذه الواقعة قد حدثت مرتين، وقد قال ابن كثير بعد أن ذكر طرفا من روايات الطبري. (وقد روى في هذه القصة عن عروة ومجاهد وعكرمة وقتادة وغير واحد من الأئمة، أنها - أي. آية {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} - نزلت في رميته النبي ﷺ يوم بدر، وإن كان قد فعل ذلك يوم حنين أيضا) ابن كثير وبهامشه البغوي. ٤: ٣١/ ٣٢.