[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  ٣١٩ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه يفعل المكر فقال: {قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ}(١).
  والجواب عن ذلك: أنه تعالى أضاف إليهم المكر، فقال: {وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا}(٢). وأراد(٣) بذلك أنهم قابلوا نعم اللّه تعالى بعد مس الضر لهم بالكفر والتكذيب، فقال تعالى عنده: {قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً} وأراد أنه أسرع عقابا، وأن ما يريده من ذلك أسرع نفوذا فيهم، وأجرى اسم المكر(٤) على العقاب على المكر، من حيث كان جزاء عليه، ومن حيث يفعل بهم من حيث لا يشعرون.
  والسرعة في المكر مجاز، كما أنه توسع؛ لأن المكر لا يكون إلا قبيحا كالسيئة، وإذا أراد تعالى العقوبة علم أنه مجاز، وعلم في السرعة أن المراد به أنه مستغن فيما يريد أن ينزله بهم عن الاحتيال والإبطاء في الفعل، مع جواز ألا يقع منهم ما أرادوه والحال هذه.
  وقوله تعالى: {إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ} يدل على أنه أراد بما تقدّم العقوبة؛ لأنه ذكر عقيبه ما يدل على أن [جميع] مكرهم ومعاصيهم مكتوب معروف لكي لا يجازوا عليه إلا بمثله، ولو كان تعالى يمكر في الحقيقة ويفعل الظلم والقبيح لم يكن لهذا القول معنى!
  ٣٢٠ - مسألة: قالوا ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه الفاعل لحركات العباد في البر والبحر، فقال: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ ...}[٢٢].
(١) من الآية: ٢١.
(٢) الآية: ٢١ وما تقدم تتمتها.
(٣) في د: وأنه أراد: وف: وإن أراد.
(٤) د: الكفر.