متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة إبراهيم #

صفحة 419 - الجزء 2

  ٣٧٩ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى ما يدل على أنه يفعل في العبد مجانبة عبادة الأصنام فقال: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ}⁣(⁣١).

  فدعا اللّه تعالى أن يجعله بهذه الصفة.

  والجواب عن ذلك: أن ظاهر الدعاء إنما يقتضى أن الداعي أراد منه تعالى ذلك الأمر الذي سأل، وهل ذلك مما يفعله أم لا، وهل يفعله مع بقاء التكليف أم لا، وكيف الحال فيه إذا فعله؟ لا يعلم بهذا الظاهر، فمن أين أن الأمر على ما قالوه؟

  ويجب أن يكون المراد بذلك: أنه سأل اللّه تعالى أن يلطف له بما عنده يجتنب عبادة الأصنام، ودعا مثل ذلك لبعض ولده.

  ٣٨٠ - وقوله تعالى من بعد: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}⁣[٤٠] يجب أن يحمل على مثل ما قلناه: لأنه إنما سأل اللطف الذي عنده يختار إقامة الصلاة «وقد بينا أنه متى لم يحمل الدعاء على هذا الوجه لم يكن فيه فائدة؛ لأنه تعالى إن فعل الصلاة⁣(⁣٢) ومجانبة الكفر، فلا بد من أن يكونوا كذلك، سألوا أم كفوا عن السؤال. وإن لم يفعل فيهم ذلك فالحال واحدة، فلا يكون للمسألة - على قولهم - فائدة ومعنى، ولا للرغبة إليه تعالى في أن يجعلهم بهذه الصفة فائدة، وإنما يفيد ذلك على ما نقول، لأنه تعالى وإن كلف وأزاح العلة، فقد يصح أن يكون في مقدوره ما إذا فعله اختار المكلف عنده الإيمان والطاعة، ولو لاه كان يضل ويعصى، فيحسن منه الرغبة والمسألة، على ما ذكرناه.


(١) من الآية: ٣٥.

(٢) ساقط من د.