متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة الحجر

صفحة 427 - الجزء 2

  ٣٨٧ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أن المعاصي من عنده، فقال: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ}⁣[٢١].

  والجواب عن ذلك: أن ظاهره يقتضى أنه لا شيء إلا وله عند اللّه⁣(⁣١) مكان، لأن الخزائن هي الأماكن التي تدخر فيها الأشياء، وهذا لا يصح في أفعال العباد؛ لأنه لا يمكن فيها أن تكون في مكان، ولا يصح - أيضا - قبل وقوعها من العباد أن تكون موجودة، فضلا عن أن تكون في مكان، يبين ذلك أنه تعالى قال بعده: {وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}⁣(⁣٢) فيجب أن يكون المراد به ما يصح أن ينزل، وذلك لا يصح في أفعال العباد: فلا بد إذا من تأويله على خلاف الظاهر. فبطل تعلقهم!

  والمراد بذلك: ما ينزله تعالى من الغيث الذي يحمله السحاب، ولذلك قال تعالى بعده: {وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ}⁣[٢٢].

  ومتى حمل على هذا الوجه حمل على ما يصح كونه في الأماكن، ويصح فيه⁣(⁣٣) الإنزال، ولذلك قال تعالى بعده: {فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ}⁣(⁣٤) فنبه على أنه تعالى خزنه في مكان مخصوص ثم أنزله، وأنه ينزل ذلك بقدر الحاجة إليه، على ما قال: {وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ}.

  ولو حمل على سائر ما يريده تعالى من أمر العباد، ويكون المراد بذكر


(١) في د: بدون لفظ الجلالة.

(٢) تتمة الآية السابقة.

(٣) في النسختين: فيها.

(٤) تتمة الآية: ٢٢.