متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة النحل

صفحة 441 - الجزء 2

  أضل⁣(⁣١) العباد من حقت عليه المعاصي وحق عليه الكفر، لكان خارجا عن اللغة والدين.

  ثم يقال للقوم: إذا كان المراد بالآية ما قلتم، فيجب أن لا يكون لإرسال الرسل إلى الفريقين معنى، لأن من هداه اللّه تعالى بخلق الإيمان فيه، يصير كذلك مع فقد الرسول ووجوده، ومن أضله فكمثل، فكيف يجوز أن يكون تعالى يجعل الهدى فيهم - والضلال - متعلقا ببعثة الرسل؟ ولا بد⁣(⁣٢) إذا بطل ذلك من حمله⁣(⁣٣) على أنه بعث الرسل فدعوهم إلى عبادة اللّه تعالى، واجتناب عبادة الطاغوت، فمنهم من قبل فهداه اللّه، ومنهم من أبى فحقت عليه الضلالة، وهذا بين.

  ٤٠٣ - وقوله تعالى بعد ذلك: {إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ}⁣[٣٧] لا ظاهر له فيما يقولون في الهدى والضلالة؛ لأنه لا يجوز أن يقول تعالى لرسوله: لا تحرص على إيمانهم فإني أخلق الكفر فيهم! كما لا يجوز أن يقول: لا تحرض على إقامة الأدلة فإني أعميهم عنها، وأخلق فيهم خلاف ما تدعوهم إليه، تعالى اللّه عن ذلك!

  فالمراد بالآية: أنه من يضله تعالى ويعاقبه لكفره، وفسقه، لا يهديه إلى الجنة ولا يثيبه، وإذا كان تعالى لا يثيبه ولا يهديه، على هذا الوجه، من حيث لا يستحقه، فلا تحرص على أن يكون من أهل الثواب. وهذا بمنزلة قوله تعالى:

  {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ}⁣(⁣٤).


(١) في ف: من. وفي د: اصر.

(٢) د: ولأنه.

(٣) د: قبله.

(٤) من الآية: ٥٦ في سورة القصص.