متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة النحل

صفحة 450 - الجزء 2

  ذلك الغير التصرّف، فمن حيث يفتقر ذلك الغير في تصرفه إلى هذه الأمور من قبله، يصح أن يوصف بأنه مسخّر، هذا هو الظاهر في التعارف؛ لأن المسخّر لغيره إنما يوصف بذلك متى كان ذلك الغير متصرفا، لكنه يتعلق تصرفه به، فيكون مانعا له عن سواه، أو حاملا له عليه، إلى ما شاكله.

  وأما الممسك فقد يوصف بذلك متى فعل ما عنده يصير ذلك الغير ممسكا، بحيث هو لا ينحدر ولا يسقط، وإن كان سكونه من فعله، فلما كان تعالى بخلقه الهواء تحت الطير. يصح منها الوقوف والطيران، جاز أن يقال إنه الممسك لها بذلك، ولذلك لا يصح منها الوقوف إلا عند بسط الجناح، ومتى كسرته سقطت إلا أن تحركه للطيران. فبالهواء ما يصح كل ذلك منها، فيجب أن يكون تعالى هو الممسك لها من هذا الوجه وإن كانت فاعلة لحركتها وسكونها، ويكون تعالى مسخرا لها، من حيث يقوّى دواعيها إلى الطيران في الجو والوقوف فيه، ويلهمها زوال المضارّ بذلك، وكل ذلك متسق مع ما نقوله.

  ٤١٢ - مسألة: قالوا: ثم ذكر ما يدل على أنه لم يشأ الهدى من جميعهم بل أراد من بعضهم الضلال، فقال: {وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ...}⁣[٩٣].

  والجواب عن ذلك قد تقدم في نظائر هذه الآية، وبينا أنه لا «ظاهر له⁣(⁣١)؛ لأنه لم يقل تعالى: ولو شاء اللّه كيت وكيت. وإذا كان ما شاء محذوفا والوجه الذي عليه شاء محذوف، وكان ذلك قد يتنافى؛ لم يجز أن يقتضيه


(١) ساقط من د.