متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

ومن سورة الأنبياء

صفحة 502 - الجزء 2

  فأما أن تحمل الآية على أنه تعالى جعلهم كذلك بأن حمّلهم الرسالة، فهذا صحيح عندنا، ويمكن معه⁣(⁣١) حمل الكلام على الظاهر، ولذلك قال: {يَهْدُونَ بِأَمْرِنا} فنبّه على هذا الوجه الآخر.

  ٤٧٩ - وقوله تعالى من قبل: {وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ}⁣[٧٢] يجب أن يحمل على ما ذكرناه، وإن لم يمتنع أن يقال:

  إنه تعالى جعلهم في الحقيقة صالحين في خلقتهم وأحوالهم، ويكون ذلك من خلقه تعالى.

  ولا يمتنع أن يراد بكل ذلك أنه تعالى أخبر بذلك وحكم به، وذلك بالعادة والتعارف صار كالحقيقة، ألا ترى أن الرجل يقول فيمن يخبر عن غيره بأنه سارق أو لص: قد جعلتني سارقا لصا، إذا كان لقوله تأثير في هذا الباب، فلما أخبر تعالى من حالهم، بما ذكرنا، جاز أن يضاف إليه على هذا الحد من الإضافة.

  ٤٨٠ - مسألة: قالوا: ثم ذكر بعده ما يدل على أنه قد يفهم بعض المؤمنين والأنبياء الصواب، ويضلّ عنه غيره فقال: {وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ}⁣[٨٨].

  والجواب عن ذلك: أن ظاهره ليس إلا أنهما حكما في القضية المذكورة، وأنه تعالى عالم بحكمهما، وأنه فهّم سليمان. ولا يدل شيء من ذلك على ما ظنه القوم؛ لأنه ليس في تخصيصه سليمان بالذكر دلالة على أنه لم يفهم داود ولم يدله على الحق، ولو صح أنه ذهب في القضية عن الصواب كان ذلك لا يدل على أنه تعالى أضله، لأن مع البيان قد يجوز أن لا يتبين المكلف على بعض الوجوه.


(١) ساقطة من ف.