ومن سورة الأنبياء
  والمراد بهذه الآية ما قاله أبو علي، ¥، من أنه تعالى قد كان نسخ الحكم الذي حكم به داود على لسان سليمان، وأنزل عليه النسخ لذلك وألزمه أن يعرف داود ذلك، فلذلك خصه بأن فهمه الحكم لما كان(١) إنزال النسخ عليه خاصة، وغيره إنما يعرفه من قبله، وهذا لا يمنع أن يكون داود مصيبا وإن حكم بالمنسوخ؛ لأن المكلف، ما لم يثبت عنده دليل النسخ، فهو مصيب بالمنسوخ.
  وإنما يحصل مخطئا متى حكم به وقد قامت دلالة النسخ عليه. ولذلك قال تعالى:
  {وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً}(٢) ولو كان قد أخطأ في الحكومة لما صح هذا الثناء من اللّه تعالى عليهما جميعا.
  وهذا دليل على بطلان قول من يظن في هذه الآية أنها تدل على أن الحق في واحد من مسائل الاجتهاد، لأن ما اختلف حكمهما فيه - على ما ذكرناه - ليس هو من هذا الباب، ولأنه تعالى صوّبهما جميعا، فكيف يدل ذلك على أن أحد القولين خطأ في غير هذه القضية، مع أن الآية لا تدل على ذلك في هذه القضية نفسها؟
  ولو صح أن ما اختلفا فيه: طريقه الاجتهاد - على ما تأوله بعضهم - لما دل إلا على قولنا في أن كل مجتهد مصيب؛ لأنه تعالى صوّبهما جميعا وأثنى عليهما معا! وإنما يدل على أنه تعالى فهمّ سليمان في ذلك ما لم يعرفه(٣) داود، فما(٤) في هذا ما(٥) يوجب خلاف ما قلناه.
  ٤٨١ - وقوله تعالى، من بعد: {وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ
(١) ساقطة من د.
(٢) من الآية: ٧٩.
(٣) ف: يعرف.
(٤) في د: مما.
(٥) في النسختين: مما.