ومن سورة الحج
  الإنزال الذي يحصل في الرّحم، فإما أن يقرّه تعالى فيه على وجه. فيصير علوقا وإما أن يزول.
  وبعد، فإن الإنزال لا يجب أن يكون فعلا للعبد، وإن كان عند فعله يحصل، فهو كنزول الدمعة عند البكاء؛ لأنه من فعل اللّه تعالى، ولذلك تختلف أحوال الناس فيه، ولو كان من فعل العبد الواطئ لوجب أن يكون متولدا عن الحركة المخصوصة، فكان لا يختلف فيمن يقدم على هذا الفعل، وكان يجب أن لا يتأخر عن الحركة الأولى! أو كان يجب أن تكون موجبة لليسير من الإنزال عقيبها إن كانت الحركات أجمع هي الموجبة لكل الإنزال، وبطلان ذلك يبين صحة ما ذكرناه.
  فإذا كان من فعله تعالى فبأن يكون استقراره في الرحم من قبله أولى، ولو ثبت أن الإنزال أولا من فعل العيد كان لا يمتنع أن يكون لبثه واستقراره من فعل اللّه تعالى، فقد سقط تعلقهم بالظاهر على كل وجه وإنما ذكر تعالى ذلك منبها على التوحيد، ولذلك قال: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ}[٥] ثم بين ما يزيل هذا الريب من خلق الإنسان وتدريجه في الخلق من حال إلى حال.
  ٤٨٥ - مسألة: قالوا: ثم ذكر ما يدل على أنه يفعل كل ما يريده، فإذا صح كونه مريدا للطاعات فيجب أن تكون عن فعله، ويجب فيما يقع من المعاصي أن يكون مريدا لها، فقال: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ}(١) وقوّى ذلك من بعد
(١) من الآية: ١٤.