[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  اسم الشيء على ما هو جزاء له، كما يجرى اسم الجزاء على الفعل، ولذلك قالوا:
  الجزاء بالجزاء(١) ولذلك قال ø: {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها}(٢) وإن كان ما يفعله تعالى ليس سيئة، وهذه الطريقة في مذهب العرب معروفة، فيجب أن تحمل الآية عليها.
  فأما قوله: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ} فليس في ظاهر قوله {وَيَمُدُّهُمْ}(٣)) أن الطغيان من فعله فيهم، وإنما أراد أنه يمدهم في العمر نعمة منه عليهم؛ لكي يستدركوا ما فاتهم فيتوبوا، وهم مع ذلك يعمهون في طغيانهم، ولا يزدادون إلا شرا، فالذي يضاف إليه هو المدّ في العمر، والطغيان والعمة إليهم يضاف، على ما بيناه.
  ثم يقال للقوم: لو كان الطغيان من فعله تعالى، لما صح أن يضيف العمة إليهم، فيقول: {يَعْمَهُونَ} وهو تعالى قد «خلقه، ولما حسن(٤) أن يذمهم ويوبخهم على ذلك.
  وقوله تعالى من بعد: {أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى}(٥) «يدل على ما نقوله، لأنه لا يوصف الإنسان بذلك إلا إذا اختار الضلالة على الهدى(٦)، فلو كان ذلك من فعل غيره، لم يصح أن يكون مشتريا لأحدهما بالآخر، فكيف يصح أن يصفهم تعالى، بقوله: {فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ} وهو الذي اضطرهم إلى الضلالة؟ وكيف يضرب لهم الأمثال، وهو الذي خلق فيهم الضلال؟!
(١) انظر في الشواهد على ذلك مع المزيد من وجوه التأويل للآية فيما شملته من أمرى الاستهزاء بالمنافقين ومدهم في طغيانهم: أمالي المرتضى (غرر الفوائد ودرر القلائد) طبع البابي الحلبي ١٣٧٣ هـ، ج ٢، ص: ١٤٤ - ١٥٠.
(٢) من الآية ٤٠ من سورة الشورى.
(٣) د: يعمهون.
(٤) ف: خلق ولم يحسن.
(٥) الآية ١٦، وتتمتها: {فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ}
(٦) ساقط من د.