متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 58 - الجزء 1

  وقد قيل: إنه ø لما خلّى بينهم وبين العمة، عند تبقيتهم جاز أن يقال: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ}، من حيث كان قادرا على أن يمنعهم، فخلاهم في ذلك.

  وقد قيل: إنه وصفهم بذلك على العاقبة، فكأنه⁣(⁣١) قال: يمدهم⁣(⁣٢) ومعلوم من حالهم أنهم في طغيانهم يعمهون.

  وقوله تعالى: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ} وهو من تمام ما ضرب به من المثل⁣(⁣٣)، أراد⁣(⁣٤) بذلك أنه لا يستنقذهم من الظلمة، فأجرى وصف التّرك⁣(⁣٥) عليه، والترك في الحقيقة إنما يجوز على⁣(⁣٦) من يكف بفعل على فعل. وذلك يقتضى أن يكون الفعل يحله ويوجد في أبعاضه، واللّه يتعالى عن ذلك!.

  ٢١ - مسألة: «قالوا: وقد قال تعالى في وصفهم: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} ... (⁣٧) [١٨] وذلك يدل على أنهم ممنوعون من الإيمان، وإلا لم يكن لذلك معنى!

  والجواب عن ذلك: أن ظاهره يقتضى أن المنافقين كانوا بهذه الصفات أو الكفار، ومعلوم من حالهم أنهم كانوا بخلافه، ولا شيء أدل على فساد المتعلّق بالظاهر من أن يعلم بالعيان خلافه؛ لأن ذلك يوجب ضرورة صرفه إلى خلاف ظاهره.

  والمراد بذلك: أنهم لما لم ينتفعوا بهذه الحواس والآلات فيما خلقت له، وأنعم عليهم بها لأجله، صاروا كأنهم «قد سلبوها⁣(⁣٨)، وهذا يكثر في اللغة أن يقول⁣(⁣٩) الواحد وقد بين لغيره الشيء وبالغ فيه: إنه أصم أعمى، وقد طبع


(١) د: وكأنه.

(٢) ف: ويمدهم.

(٣) قال تعالى فيهم: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ} الآية ١٧.

(٤) ف: وإن أراد.

(٥) د: الشرك.

(٦) ساقطة: من د.

(٧) عبارة الأصل: قال: وقد قال بعضهم (صم بكم عمى) في وصفهم.

(٨) د: سلبوا.

(٩) في الأصل: تقول في.