[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  على قلبه، وربما تجاوزوا ذلك إلى أن قالوا: إنه ميت لا يعقل ولا يفهم، وقد قال تعالى: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ}(١) في هذا المعنى، وقد قال الشاعر:
  لقد أسمعت لو ناديت حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادى(٢)
  وربما شبهوه(٣) بالحمار والبهيمة، لذهابه عن فهم ما أورد عليه. وكل ذلك يبين صحة ما قلناه.
  ثم يقال للقوم: إنه تعالى وصفهم بذلك على طريقة الذم، ولو كان ذلك حقيقة، لما صح أن يذمهم، وقد قال ø: {فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ}[١٨] فنسب ترك الرجوع إليهم، وذلك لا يصح لو كان قد منعهم.
  ٢٢ - مسألة: قالوا: وقد قال ø: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً} فخبر بأنه يضل الضال ويهدى المهتدى، وفي ذلك دلالة على أن الهدى والضلال جميعا من فعله. ولا يصح أن تتأولوا ذلك على الهدى بمعنى البيان، والضلال(٤) بمعنى الذهاب عن الطريق، لأنه ø ذكر ذلك(٥) عقيب قوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها} إلى أن قال: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً}(٦) يعنى بما تقدم من ضرب المثل، {وَيَهْدِي بِهِ}.
  وفي ذلك دلالة على أن(٧) المراد به الكفر والإيمان بالمثل. ولو كان المراد بالهدى البيان لما قال أيضا: ويهدى به كثيرا؛ لأن الدلالة في المكلفين عامة!
  والجواب عن ذلك لا يكاد يتضح إلا بذكر جملة من الكلام في الهدى
(١) سورة النمل: ٨٠، وقد جاءت في الأصل: (إنك لا تسمع الصم الدعاء)، والجملة من قوله: «ولا يفهم» ساقطة من ف.
(٢) انظر وضح البيان لأبى القاسم محمد بن حبيب النيسابوري، مصور دار الكتب ورقة (١٣).
(٣) في د: شبهوا.
(٤) في د: والضلالة.
(٥) في د: وكذلك.
(٦) قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ} سورة البقرة: ٢٦.
(٧) ساقطة من د.