متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 61 - الجزء 1

  اعلم أن الهدى بمعنى الدلالة كثير في الكتاب، قال اللّه تعالى في وصف القرآن: {هُدىً لِلنَّاسِ}⁣(⁣١) {وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}⁣(⁣٢) ولا يجوز أن يراد بذلك إلا كونه دلالة وبيانا. وقال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى}⁣(⁣٣) ولو كان المراد بذلك أنه جعلهم مؤمنين، لما صح أن يقول: {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى}⁣(⁣٤) وقوله تعالى: {أُولئِكَ عَلى هُدىً


= أن «الهدى يأتي على سبعة عشر وجها ...) انظر. تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة، بشرح وتحقيق الأستاذ السيد أحمد صقر، ص ٣٤٤. الاتقان للسيوطي: ١/ ٢٤١، الطبعة الثالثة ١٣٦٠ بالمطبعة التجارية.

(١) قال تعالى؛ {شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ ...} البقرة: ١٨٥

(٢) سورة الأعراف: ٢٠٣، سورة يوسف: ١١١، سورة النحل: ٦٤.

(٣) سورة فصلت: ١٧.

(٤) صحح الأشعري - دفاعا عن مذهبه في أن الهداية خاصة بالمؤمنين وحدهم، وأنها حيث وردت في القرآن فلا تعنى سوى خلق الايمان أو القدرة عليه - أن يكون الضمير في:

(فهديناهم) عائدا على المؤمنين من ثمود وحدهم، وفي (فاستحبوا) عائدا على الكفار منهم، وقال: «هذا جائز في اللغة التي ورد بها القرآن أن يقول: فهديناهم، ويعنى المؤمنين من ثمود ويقال: فاستحبوا، يعنى الكافرين منهم». كما جهد في تأويل آيات أخر صريحة في الدلالة على أن الهداية فيها وردت بمعنى الدلالة والبيان.

ورمى ابن حزم القائلين بمثل هذه التفسيرات بالجهالة، فقال: «وقال بعض من يتعسف القول بلا علم إن قول اللّه ø: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى}، وقوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ} وقوله تعالى: {وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ} إنما أراد تعالى بكل ذلك المؤمنين خاصة» ثم قال: «وهذا باطل من وجهين: أحدهما تخصيص الآيات بلا برهان، والثاني: أن نص الآيات يمنع من التخصيص ولا بد ... الخ».

وفي رأى أبى محمد | أن الهدى في اللغة العربية من الأسماء المشتركة. وأنه يكون بمعنى:

الدلالة، ويكون كذلك بمعنى التوفيق والعون على الخير والتيسير له، وخلقه تعالى لقبول الخير في النفوس. وعنده أن الأول قد أعطاه اللّه للكافر والمؤمن، وخص بالثاني جماعة المؤمنين وحدهم.

ولعل المعتزلة - على كل حال - أن يحملوا ما يدل بظاهره على المعنى الثاني، على اللطف والدواعي والثواب ونحو ذلك.

انظر: الإبانة: ٦٠ - ٦١. والملل والنحل: ٣/ ٤٣ - ٤٦.