[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]
  فيمن يتحمل المشقة المؤذنة بالمخوف:(١) «ليس من البر الصيام في السفر»(٢).
  ومن وجه آخر، وهو أنه تعالى إذا امتن علينا بأنه لا يريد بنا العسر الذي هو تحمل المشقة بالصوم: رحمة بنا ورأفة، فكيف يجوز أن نتصور أنه يريد مع ذلك بالعبد أن يكفر ويخلد بين أطباق النيران؟. ولو أن أحدنا أقبل على ولده فقال: لا أريد منك مع إشفاقى عليك أن تنصرف في أيام القيظ، لم يجز أن يتصور مع ذلك أنه يريد أن يعذبه بالنار، وهذا مما يأباه العقل!.
  ويمكن أن يستدل بظاهر الآية فيقال: إنه تعالى أطلق الكلام فقال:
  {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وإن كان عقيب ذكر الصوم.
  ولا يجب في الكلام المطلق المستقل بنفسه أن يحمل على سببه(٣)، وإطلاقه يقتضى أنه تعالى لا يريد بنا العسر على كل وجه. ولو أراد الكفر والمعاصي لكان قد أراد ذلك؛ لأنه أعظم ما يوصف بذلك، لأن العسر هو الذي يضرّ، أو يؤدى إلى مضرّة عظيمة، وليس في جملة الأفعال أعظم في هذا الباب من الكفر.
(١) ف: الخوف.
(٢) سقط من د قوله: «من البر». والحديث في البخاري من رواية جابر بن عبد اللّه ¥، بلفظ: (ليس من البر الصوم في السفر). قال جابر: كان رسول اللّه صلى عليه وسلم في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه، فقال: ما هذا؟ فقالوا: صائم، فقال:
(ليس من البر ...) الحديث. صحيح البخاري في كتاب الصوم: ٣/ ٣٤، طبع بولاق وأخرجه مسلم برواية جابر، من طريق واحد، بلفظ: (ليس البر أن تصوموا في السفر) مسلم بشرح النووي: ٧/ ٢٣٣، الطبعة الأولى ١٣٤٧. ورواية المؤلف ذكرها أبو عيسى الترمذي في جامعه، وقال: حديث جابر حسن صحيح الترمذي بشرح ابن العربي:
٣/ ٢٣١، الطبعة الأولى ١٣٥٠ مصر.
(٣) في د: تسببه، وانظر ما استدل به القاضي على: (أنه تعالى يريد جميع ما أمر به ورغب فيه من العبادات، وأنه لا يريد شيئا من القبائح بل يكرهها) المغنى: ٦ المجلد الثاني ٢١٨ - ٢٥٥، حيث جاءت الآية المذكورة دليله الثالث عشر على هذا، ص: ٢٤٨ - ٢٤٩.