متشابه القرآن للقاضي عبدالجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[متن متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني]

صفحة 119 - الجزء 1

  ٦٢ - مسألة: قالوا: ثم ذكر تعالى بعده ما يدل على أنه يريد الفساد، فقال:

  {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ}⁣(⁣١).

  والجواب عن ذلك: أن ظاهر هذه الآية يدل على أنه يأمر بالفساد والاعتداء، وليس ذلك بمذهب لأحد، لأن من يجوّز أن يريد الفساد لا يجوّز أن يأمر به ويبيحه.

  والمراد بذلك: أنه أمرنا بالمجازاة على الاعتداء والانتصاف من المعتدى، وأجرى الاسم عليه على سبيل المجاز، على ما قد بيناه من قبل⁣(⁣٢).

  ثم يقال للقوم: يجب على قولكم أن يكون تعالى فعل الاعتداء أولا ثم فعله ثانيا، وما حلّ هذا المحل لا يكون حسنا، ولا يصح كونه جزاء ومقابلة.

  وقوله تعالى من بعد: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} يدل على أنه أمر فيما تقدم بالمجازاة وأن لا يتجاوز المكلف ذلك إلى المحظور فلا يكون متقيا. وقد بينا أن الأمر والنهى، والمدح، والذم، والتوبيخ، واللوم، والاستبطاء، والثواب، والعقاب، والوعظ، والإنذار، وسائر ما في القرآن من ذلك، لا يصح إلا إذا قيل: إن العبد يفعل ويختار فيختص بهذه الأحكام.

  ٦٣ - مسألة: وقوله تعالى بعد ذلك: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} لا تعلق للمشبهة به⁣(⁣٣)، لأنه إنما أراد: أنه معه في معونته وتأييده وإثابته وحفظه في هذه الوجوه، والدفع عنه، ولذلك خص به المتقين.

  ٦٤ - مسألة: وقوله تعالى من بعد: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}⁣[١٩٥] من أوضح ما يدل على العدل، لأنه


(١) قال تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} سورة البقرة ١٩٤.

(٢) انظر الفقرة: ٢٠.

(٣) في د: للمشيئة.